الحكاية 18 من السيرة الهلالية .. حيل أبي زيد الهلالي

الحكاية 18 من السيرة الهلالية .. حيل أبي زيد الهلالي

- ‎فيفن و ثقافة
459
6

 

 

د محمد فخرالدين

و من الأمور الغريبة و الحوادث العجيبة أن أحد كبار التجار و اسمه كساب نهبت أمواله لما كانت بنو هلال في مدينة بندريس و اشتكى أمره لذياب و طلب رد أمواله التي غنمها بنو هلال من ضمن الأموال ،فلم يحصل على ما يريد و لم يسترجع ما ضاع منه فغضب غضبا شديدا على ما حصل له من الظلم و عدم الإنصاف..

فقصد الهراس ملك جزيرة قبرص و اشتكى له من فعل بني هلال، و كيف أخذوا منه الأموال و الحلال ، فوعده بإحضار ذياب و مجازاته بالعقاب و الوبال ، ثم طلب من بعض رجاله أن يحضروه إليه في الحال ، فقالوا سمعا و طاعة ثم إنهم غيروا ثيابهم و ساروا بالمراكب إلى بني هلال،حتى وصلوا إلى مضاربهم ،وتسللوا إليها فلم يعرفهم احد وساروا حتى وصلوا إلى منزل الأمير ذياب و معهم الهدايا و أفخر الثياب ،و اخبروه انه أصحاب تجارة عظيمة من جهة البحر العباب ، فاستقبلهم و رحب بهم أحسن ترحاب ، فطلبوا منه أن يرافقهم إلى مراكبهم لرؤية البضاعة ، فلما رافقهم استفردوا به ،و قدموا له الطعام و الشراب ، وضعوا له فيه بنجا كثيرا ،ففقد الوعي في الحال و صار كأنه ميت منذ ليال ، ثم قيدوه بالسلاسل الثقال ، و ساروا به إلى قبرص في الحال ، و أوصلوه إلى الهراس الذي أخبر بذلك التاجر كساب ففرح باعتقاله ..

هذا ما كان من أمر ذياب أما ما كان من أمر الأمير حسن فقد قلق لغياب ذياب، وضرب الرمل فكانت نتيجة الرمل أن علم انه عند الملك الهراس في قبرص ،و اتفق ابو زيد على السفر و تجهز له كل الاستعداد ،و قطع البراري و القفار، ثم ركب البحر حتى وصل إلى قبرص، و أشرف على باب المدينة فوجد الهراس خارجا للصيد فتقدم إليه بالسلام بأفصح الكلام فرد عليه السلام و أحسن الجواب ،و لما سأله عن حاله و من أي البلاد جاء ، ادعى أن اسمه الراهب سلامة، و أنه راهب يجول في طول البلاد،و هو زاهد في العباد ..

ثم أن الهراس أعجب به و صحبه إلى الديوان ، و أكرمه غاية الإكرام ،و قدم له الشراب و الطعام.. ثم أخذ أبو زيد يحدثه أحسن حديث و يتحفه بالشعر و النظام ، فأعجبه حديثه و الكلام ،و صار مجالسا له و مؤانسا على طول الأيام ، و سأله أن يتمنى عليه ما يريد أن يحقق من الأحلام ..

فقال له أبو زيد :

ـ يامولاي أتمنى أن تريني اللعين ذياب حتى أشفي منه قلبي وأعذبه شديد العذاب..

فأمرهم أن يأخذوه إليه ، و ساروا به حتى وصل إلى السجن حيث ذياب ، و طلب من الهراس أن يفك قيوده حتى يعود يصير معافى كما كان ،و أن يعطيه من الطعام والشراب حتى يصير قادرا على تحمل العذاب، فاستجاب له..

و في يوم من الأيام قدم الراهب مغلوب بن توما إلى مجلس الهراس ، و كان عالما بأمر أبي زيد فأتى وهو غاضب كل الغضب من أمر أبي زيد، و قام باختباره في المجلس ،خاف ابو زيد من كشف أمره ، فدبر حيلة حكمة للخلاص منه و قتله ، فمات الراهب احتراقا ،و صار أبو زيد محبوبا محترما عند الهراس لا يستطيع فراقه ..

و في ليلة من الليالي بعد أن خلد الجميع إلى النوم ، تسلل أبو زيد إلى السجن أطلق سراح ذياب و فك قيوده و فك الأسرى الذين معه ،و كان عددهم اثنا عشرة ألفا فدعاهم إلى تأييده ، فعاهدوه على ذلك و أرسلهم لاقتحام المدينة، ثم دخل على الهراس في نومه و قتله ، تم عاد و ذياب إلى بني هلال ..

و بعد أن استقروا أياما للراحة، استعدوا مرة أخرى للرحيل و مواصلة المسير بعد رحلة صيد، فخرج ذياب و القاضي و الأمير حسن يطاردون الأرانب و الغزلان في القفار والوديان ، فلاقاهم رجل ذو هيبة ووقار و أمامه حمار ، قد وضع عليه من العطارة ألوان ،فلما أقبلوا عليه سلموا عليه فرد عليهم السلام، ثم انه ألقى عليهم أبوابا من السحر فشل حركتهم و أسرهم في قلعته ..

و لما سأل عنهم أبوزيد علم بأسرهم من بعض المسافرين فسار لتخليصهم في الحال، و فجأة لاقى أبو بشارة العطار فأرسل عليه باب من السحر الطيار، فإذا هو في الديار، و لما عاد إلى وعيه تخفى في هيأة درويش، و قصد قلعة العطار و لما تمكن منه لبس ثيابه، و سار إلى القلعة واستطاع أن يخلص جميع الأسرى، ففرحوا به فرحا شديد ما عليه من مزيد ،و حصلوا أموالا كثيرة مما كان قد ادخره العطار و أخفاه بعيدا عن الأبصار..

هكذا عاد بنو هلال إلى مضاربهم ،و قد فرق الأمير ما غنموه على الجميع و أقاموا على شرب قهوة و أكل وطعام مدة ثلاثة أيام إلى أن صمموا على الارتحال …

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،