رمضان والقُفَّةُ الرمضانية والاستهلاك التفاخري

رمضان والقُفَّةُ الرمضانية والاستهلاك التفاخري

- ‎فيإقتصاد, رأي, في الواجهة
534
6

 

يشكل الاستهلاك علامة الوضع الراهن فوق عموم الكرة الأرضية؛ وهو من المستتبعات المنطقية للسياسة الليبرالية الجديدة التي تدعوها اللغة الإيديولوجية: العولمة.

وفي الرقعة الإسلامية الممتدة من طنجة غربا إلى طشقند شرقا، يتضاعف الاستهلاك حتى حدود السفه لدرجة يمكن معها الحديث عن الاستهلاك التفاخري أو الاستهلاك المتباهي. وهنا وهناك، في شرق المتوسط وغربه، شاعت ظاهرة ذات ارتباط وثيق بنمط الاستهلاك هذا، وهي القُفَّةُ الرمضانية التي تعبث بكرامة الناس، بل بلغ استثمارها أحيانا مبلغ التحرش الجنسي بالنساء الراغبات في الحصول هذه القُفَّةُ الرمضانية الهزيمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وتعرف جماعة المسلمين المؤمنين أن كلمة التفاخر تواتر ظهورها في القرآن الكريم مرارا وتكرارا؛ إذ نقرأ في سورة الحديد: “اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”؛ وفي الآية 23من هذه السورة نفسها: “والله لا يحب كل مختلف فخور”؛ وفي الآية 36 من سورة النساء: “إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا”؛ وفي الآية 10 من سورة هود: “إنه لفرح فخور”؛ وكذا في الآية 18 من سورة لقمان: “إن الله لا يحب كل مختلف فخور”…

ويدل جميع ما ورد في الذكر الحكيم أن ظاهرة الفخر والتفاخر قديمة وأن العقيدة الإسلامية تنهى عن المشي في الأرض مرحا، وتنهى عن الاختيال والتباهي والتفاخر. والواقع أن هذه الظاهرة قديمة فعلا وتلونت بلون الشروط التاريخية التي مورست فيها، بل إنها بلغت منتهى السادية في عهد الخليفة العباسي الواثق بالله؛ لكن من البدهي أن الاستهلاك التفاخري في أشد مظاهره فظاعة وبشاعة وقبحا هو واحد من مواليد نمط الإنتاج الرأسمالي الذي أرسى دعامات مجتمع السوق والاستهلاك ونهب فائض القيمة وهيمنة قيم التبادل.

ويشير مصطلح الاستهلاك التفاخري إلى الإنفاق المسرف والسفيه على السلع والبضائع والكماليات والحصول عليها، لا لضرورة حيوية، بل بهدف استعراض القوة الاقتصادية للدخل الذي قد يكون مجرد ريع أو استعراض الثروة المتراكمة غالبا بفعل نهب فائض القيمة ونهب المال العام… ويعتبر هذا الاستعراض للقوة الاقتصادية، في منظور المستهلك المتفاخر، سبيلا لبلوغ مرتبة اجتماعية معينة أو تكريسها والحفاظ عليها.
وحول هذا الموضوع بالذات، تطور نمط من البحث السوسيولوجي: سوسيولوجية الاستهلاك التفاخري، التي تدين بالكثير لعالم الاقتصاد الأمريكي ثورستاين بوند فبلن (1857 – 1929) في كتابه العمدة: نظرية الطبقة المترفة (1899).
وقد استتبع مصطلح الاستهلاك التفاخري تشييد مصطلح آخر: الاستهلاك التحاسدي، الذي يدل على استهلاك متباهي لا هدف له سوى إثارة حسد الآخرين.

ومن الموائم جدا هنا التنبيه على أن من نتائج ومستتبعات الاستهلاك التفاخري: التعاطف التفاخري؛ ومعناه الاستخدام المتعمد والقصدي والمظهري للتبرعات المالية والعينية الخيرية التي ليس الهدف منها التكافل أو المساعدة أو حتى “الإحسان”، بل القصد منها تعزيز ودعم المكانة الاجتماعية السياسية للمانح أو الواهب عبر استعراض وضعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتفوق. وضمن هذا السياق، تفهم دلالة تلك القُفَّةُ الرمضانية التي يعرفها الجميع، والتي صارت في الكثير من المواقع والحالات مهمازا لفضائح أخلاقية وجنسية تند عن التسمية؛ هذا علاوة على أنها في ذاتهاةفضيحة اقتصادية – سياسية أكثر الأسماء ملاءمة لها: القُفَّةُ السياسية الرمضانية المسمومة التي لا تسمن ولا تغني من جوع من ليس له طعام إلا من ضريع… ولكم من النظر واسعه…

المتشرد الحكيم عبد الجليل بن محمد الأزدي

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

ذكريات الكالتشيو..الحلقة18. ماركو تارديلي : “والدتي من جعلتني بطل العالم “

  ” ذات يوم عاد الطفل الصغير توماس