قصر البديع .. كان “جنة على أرض مراكش”

قصر البديع .. كان “جنة على أرض مراكش”

بقلم: عبد الكبير الميناوي

 

مراكش … تاريخ ممتد بأحداثه. أسرة حاكمة تترك مكانها لأخرى، والمدينة، أبداً، شامخة، في مكانها، بكل بهائها ورمزيتها، تعانق نخيلها، فيما تصنع بهجتها.
تاريخ مراكش تنقله كتب المؤرخين، كما تذكر به الأسوار والساحات (جامع الفنا، ..) والأسواق (سوق السمارين، ..) والحدائق (المنارة، عرصة مولاي عبد السلام، ..) والأبواب (باب اكناو، باب الخميس، باب اغمات، باب النقب، باب الجديد، ..) والبنايات (القبة المرابطية، الكتبية، مدرسة ابن يوسف، قصر البديع، قصر الباهية،…).
في مراكش، كلما ضاقت الأزقة على المارة انفتح في الماضي بابٌ يقود نحو عوالم من فتنة العمارة وبهاء النقش والتشكيل.

مما نقرأ للدبلوماسي والمؤرخ المغربي عبد الهادي التازي (1921 – 2015)، تحت عنوان : “قصر البديع بمراكش / من عجائب الدنيا / بواعث تشييده وظروف تخريبه وعمليات ترميمه”:
“اعتاد الملوك المغاربة أن يخلدوا انتصاراتهم الكبرى بتشييد مبان معلمية تكون في مستوى تلك الانتصارات، وهكذا فعلى نحو ما قام به المنصور الموحدي من بناء الجوامع الثلاثة: (الخيرالدة) في إشبيلية، والكتبية في مراكش، وحسان بالرباط، في أعقاب انتصاره بموقعة الأرك (ALARCOS) بالأندلس، على نحو ذلك شرع المنصور السعدي على انتصاره على الجيش البرتغالي ومصرع الملك سباستيان في وادي المخازن، وبعد خمسة شهور من المعركة (شوال 986 – دجنبر 1578) في بناء قصر البديع … ولقد حرص عدد ممن اهتموا بتصميم القصر من الأجانب – على معرفة اسم المهندس المعماري الذي رسم خطوطه الأولى .. والذي لم يكن غير أمير المؤمنين المنصور الذي كان يسهر – مع ذلك – بنفسه على تنفيذ تصميمه المستوحى دون شك من بعض القصور الأندلسية … ولا بد من التذكير بأن قصر البديع – وهو البناية الخاصة بالعاهل – أطلق على سائر “المجمع” الذي يقع بجانب البديع بما في ذلك الدار الكبرى بما تحتويه من قباب ورياض ومرافق”.



“وقد اجتمعت كلمة زواره من الدبلوماسيين أو الرسامين أو الأسرى على أنه تحفة العصر وعنوان العظمة ودليل التوازن، وما بالك بقصر جلب بعض مواده من أقاصي الدنيا وأرسلت السفارات لإيرلندا من أجل إرضاء مطالب المنصور حوله .. واشترى رخامه من إيطاليا وزنا بوزن – بالسكر الذي كانت تنتجه المعاصر والمعامل المتناثرة في الجنوب والذي كانت القصور الملكية في أوربا تتباهي بتقديمه لكبار ضيوفها وزوارها … وهكذا تتفق الرواية العربية مع الرواية الأخرى على أنه كان “جنة على أرض مراكش””.



“وقد ظل البديع منذ نهاية البناء المركز الأول في الدولة لتنظيم البعثات الدبلوماسية التي رددت صدى القصر من مختلف دول أوروبا .. وآسيا .. كما كانت محفلا يلتقي فيه أعيان الدولة بمناسبة الأيام الإسلامية وبخاصة ليالي رمضان وأعياد المولد النبوي، وخاصة أيضا بعد النصر الضخم الذي حققه المنصور على إمبراطورية شنغاي، والذي كان موجها في الواقع ضد طموح العثمانيين لتطويق المغرب واكتساب نافذة على المحيط الأطلسي!”.

لكن القصر – وهو على ما عرفنا – أمسى، إثر وفاة المنصور السعدي، واختلاف كلمة بَنيه من بعده، هدفا لعدد من أعمال التخريب الناتجة عن الصدام المستمر من أجل الاستيلاء على العاصمة مراكش، وعلى مركز الحكم فيها: قصر البديع”.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

الاثنين المقبل .. بوادر انفراج في ملف الاساتذة الموقوفين على المستوى الوطني..

محمد خالد كشف مصدر مسؤول باكاديمية التربية والتكوين