“الفهامة الزايدة” أو الفيروس الذي ينخر جسد الواقع المغربي.

“الفهامة الزايدة” أو الفيروس الذي ينخر جسد الواقع المغربي.

- ‎فيرأي
1019
6

بقلم ذ.العبدوني خياري محمد

 

“لفقيه دحمان ،قرا في لبريه سبع ايام وقال لهم:هاد الخط عيان”. ما دامت الثقافة الشعبية لأي مجتمع هي تعبير عن واقع معاش وملخصا لما يختزله من تعاملات، فأنا أحاول إسقاطها في أمثلة شعبية على واقعنا اليومي.

تذكرت حكاية من حكايات لافونتين وهي:” قصة الغراب والعندليب” لما تجادلا عن من يملك اعذب صوت بينهما، والذي قد يطرب الروح ويداوي الجروح ويبتسم له كل متشائم وعابس. وفيما هما يتحاوران مر امامهما خنزير أو كما نقول -حلوف- فاقترح الغراب ان يحتكما له. فطلب الخنزير من كل منهما انشودة بصوته .وبعد سماعهما كان حكم الخنزير لصالح الغراب بان صوته هو الحلو وانه اندى وامتع للسمع و اجمل وأن صوت العندليب مزعج ويؤدي من يسمعه .حينها أجهش العندليب بالبكاء .فنظر اليه الغراب مستغربا و متسائلا عن سبب بكائه، ولماذا لم يرض ويقبل بحكم الخنزير؟! فماكان من العندليب الا ان أجاب :”انا لا أبكي لعدم فوزي ولكن لانني احتكمت لخنزير حتى يعطي رايه في ادائي”.وهنا قد اضيف ان الخطأ ايضا يتحمله الخنزير الذي تجرأ ليحكم فيما بينهما رغم انه ليس من اختصاصه بل كان الاجدر ان يتركهما ليحتكما الى طائر الكروان او الحسون.

هذه القصة أحالتني على بعض “الفهايمية” الذين يحكمون في كل شيئ وتراهم يفهمون في الرياضة، في السياسة، في العلوم ،في تدبير الشان المحلي وفي تسيير الوزارات والمؤسسات حتى انهم قد يتنبئون بتعديلات حكومية او تغيير مدرب او خطته او نتائج حرب اوكرانيا وروسيا ومتخصصين في الدراسات المستقبلية وهم اغلبهم لا يقرئون 5او10 كتب سنويا وحتى الجرائد يكتفون بالسودوكو او الكلمات المتقاطعة.

أخطر فيروس في المجتمعات هي “الفهامة الزايدة”. نحن محتاجون أن نراجع بجرأة مفهوم المثقف ودوره و أن نصارح أنفسنا حول انتكاسة النخبة و مساهمتها في تكريس الرداءة بدل نشر الوعي الذي يستوعب تفاصيل اللحظة الراهنة.

لا استطيع ان امنع شخصا من ابداء رايه في عالم السياسة او التنبؤات الاقتصادية او الرياضية او الدينية ولكن على الاقل ان يكون له المام بالامور سواء بدراسات او تكوين او بتجربة او ممارسة، شخصيا اذا كان عندي ما ينجز من أعمال او أشغال او استشارة فاني أستعين بدوي الاختصاص وانصت لهم واستفيد منهم لكن لا اقوم بعملهم كالطبيب او المهندس او المحامي… وحتى في الإصلاحات والخدمات كالنجارة والحدادة والميكانيك والكهرباء خوفا ان تصعقني الكهرباء او “يضربني الضو” وهو كلام قد يوجه لمن يجلس في “المجامع” ويصبح منظرا وفيلسوفا لأن هذا هو اكبر خطأ قد يقع له و لمن يتابعه او يعتبره “دادة الفاهم”.

هناك من يتناسى أن المغاربة يعيشون في دولة المؤسسات في بلاد آمنة ومستقرة.و سيبقى مثل هؤلاء الناس الغير مسؤولين يكتبون او ينقلون او يفتون فيما لا يفقهون عسى ان يجدوا لهم موقعا. ان الدولة لكي تتقدم تعتمد على فئة من المجتمع تسمى النخبة، التي تتكون من أساتذة ومهندسين وأطباء ودكاترة وفقهاء وعدد كبير من المثقفين والأكاديميين والامنيين الذين تكون عندهم دراية بالتوجه العام للبلاد ومخططاته القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى، والظروف الحالية وكيف تسير الأمور .لكن في بعض الحالات لمايكون غياب المسؤولية، أو الفهامة الزايدة، يقوم بعض اشباه المثقفين بكتابة او نقل او بتعليق لا مسؤوول يسَوّد وجه المغرب! لهذا اقول لهم اتركوا الناس تشتغل فلو كنتم في مستواهم لكنتم مكانهم….

“قالو الأعمى باش كتعرف السلعة المزيانة؟ قال لهم بالسوم الغالي والغوات العالي”

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

قضية “الفساد الانتخابي” المتابع فيها الحيداوي.. محكمة آسفي تُحدد 29 أبريل الجاري للنطق بالحكم

  حددت المحكمة الابتدائية في آسفي أول أمس