الكلاب لا تنبح فقط أيتها “الحسناء”!

الكلاب لا تنبح فقط أيتها “الحسناء”!

- ‎فيرأي, في الواجهة
156
6

اسماعيل الحلوتي

 

      ردا على موجة الاحتجاجات الصاخبة والمتواصلة خلال الآونة الأخيرة ضد ما باتت تشهده الأسواق والمحلات التجارية ومحطات بيع الوقود من ارتفاع صاروخي في الأسعار أنهك كثيرا كاهل المواطن، أبت إحدى القياديات بالحزب الذي يقود التحالف الحكومي الثلاثي “التجمع الوطني للأحرار”، والتي تشغل في الوقت الحالي نائبة رئيس المجلس الإقليمي لمدينة تارودانت المسماة “منال بنصالح” إلا أن تنعت المحتجين على مسلسل الغلاء الرهيب الذي قوض قدرتهم الشرائية بالكلاب دون أدنى حياء…

      إذ أن هذه القيادية الملقبة ب”حسناء الأحرار” سمحت لنفسها بأن تنشر على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تدوينة أرفقتها بصورة رئيس الحزب والحكومة عزيز أخنوش، تقول فيها: “القافلة تسير والكلاب تنبح”، قبل أن تعود مضطرة إلى ما اقترفته يداها الآثمتان في حق المواطنين وتقوم بمحاولة طمس معالم “جريمتها” الشنعاء، بسبب ما تعرضت له من انتقادات لاذعة وواسعة، متجاهلة قوله تعالى في سورة التين الآية 4: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”، فالله سبحانه خلق الإنسان في أحسن صورة جاعلا منه خليفته في الأرض، رافعا بذلك من قدره ومنزلته ومميزا إياه عن باقي المخلوقات، فكيف لها أن تشبه من ميزه الله بالعقل ب”الكلب”؟ وهل من المعقول أن تحط ذات “الحسن والبهاء” من كرامة الإنسان، وتجعله في مرتبة الحيوان؟

      فقد كانت تدوينتها المتسرعة وغير المحسوبة العواقب بمثابة صب الزيت على النار، إذ ساهمت بشكل كبير في تأجيج غضب واستنكار الكثير من المغاربة وخاصة منهم رواد الفضاء الأزرق، الذين انبروا لها وحزبها الذي لم يحسن تأطيرها بالانتقادات الحادة، رافضين بقوة مثل هذا التعامل الأرعن والأسلوب الاستفزازي من قيادية بحزب يقود الحكومة، معتبرين ذلك تحقيرا وإهانة لهم، وأنه صار لزاما على حزب “الحمامة” أن يبادر إلى التكفير عن سيئة حسنائه من خلال التعجيل بتقديم اعتذار رسمي إلى كافة المغاربة، لاحتواء الاحتقان الشعبي المتزايد، في انتظار أن تعمل الحكومة على بحث السبل الكفيلة بإنهاء أزمة الغلاء.

      إنه كان من الممكن أن يتم تجاهل تلك التدوينة اللعينة لو أن ما جاء فيها ينطبق فعلا على أشخاص مارقين خرجوا فقط لإثارة الفتنة والتشويش على الحكومة ورئيسها دون أن يكون لذلك أي داع معقول، أما وقد خرجوا بعد أن اكتووا بنيران الغلاء ووصل السكين العظم أمام تجاهل مطالبهم، الرامية إلى حماية قدرتهم الشرائية التي تضررت كثيرا بفعل الزيادات المطردة في الأسعار، في ظل تداعيات جائحة كورونا وشح السماء، فذلك ما يجعلنا نشك في مدى قدرة استيعابها للمثال التي اعتمدته في ردها على احتجاجاتهم. إذ نست أن الكلاب لا تنبح فقط، بل إنها غالبا ما تذهب أبعد من ذلك وتستعمل أنيابها في العض والنهش متى ما تم استفزازها وتهديد أمنها وطعامها. أليس من الخسة والجحود التنكر لمن بوأوا حزبها الصدارة في استحقاقات الثامن شتنبر 2021، معلقين عليه آمالا عريضة في الوفاء بالتزاماته ووعوده في تحسين ظروف عيشهم والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، بدل قهرهم وتجويعهم؟

      وحتى لو أن القيادية التجمعية أرادات أن ترد فقط على أصحاب وسم “أخنوش إرحل” الذين لا نخفي اختلافنا معهم حول مثل هذه التعابير غير السوية، فإنه لا يجوز لها بأي حال أن تردد كالببغاء الأمثال دون إدراك معانيها وتستعملها في غير محلها. فالأصل في مقولة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” والتي ظلت العرب تعتبرها الرد الأنسب على أعداء النجاح، الذين يستكثرون على غيرهم تميزهم وتفوقهم في أعمالهم. وهي من أشهر أقوال الإمام الشافعي أحد الأئمة الأربعة، صاحب المذهب المأخوذ به في الفقه الإسلامي والمؤسس لعلم أصول الفقه، الذي فضلا عما عرف عنه من نباهة وذكاء وسداد الرأي في أمور الدين والدنيا، اشتهر بتلك المقولة في رده على اللئام من القوم الذين كانوا يتربصون به ويترصدون خطواته، لمحاولة إفشال أعماله…

      فليس من العمل السياسي المسؤول في شيء ردود الفعل المتسرعة والمستفزة لمشاعر المواطنين، حيث أن السياسة تتطلب من ممارسها دراسة الأحداث والوقائع بكل تجرد وموضوعية بعيدا عن التحيز والأنانية، رصد مختلف مشاكل المجتمع والعمل على بحث الوسائل الكفيلة بحلها، تفادي الأسباب التي من شأنها خلق البلبلة، والسهر الدائم على إشاعة القيم الفاضلة من قبيل التواضع والصدق والوفاء بالوعود والالتزامات واحترام الرأي الآخر والتخطيط للغد الأفضل. وهو من يعمل إلى جانب اهتمامه بشؤون أسرته ومصالحه الذاتية والحزبية، على حسن الإنصات إلى نبض الشارع والسعي نحو إحداث التغيير الإيجابي. الذي يكون ملما بالقوانين ومقتضيات الدستور، قريبا من المواطنين وقادرا على الترافع عن همومهم وانشغالاتهم داخل المؤسسة التشريعية، وحريصا كذلك على التدبير الجيد للشأن العام والوفاء بتعهداته وعدم التورط في الأقوال المضللة والباطلة والتصريحات غير المحسوبة العواقب.

      إن التجمعية منال بنصالح نائبة رئيس المجلس الإقليمي لتارودانت، ليست في واقع الأمر سوى نموذجا واضحا لمئات المتطفلين على الحقل السياسي، وهو ما يجعلنا نتساءل بحرقة عن كيف يمكن للأحزاب السياسية أن تقوم بدورها في تأطير المواطنين وفق ما تنص عليه مقتضيات الفصل السابع من الدستور، من حيث التكوين السياسي والتعريف بأهم القضايا الوطنية وإشراكهم في القرار السياسي وإعدادهم للمشاركة في الاستحقاقات… إذا كانت عاجزة عن حسن تأطير المنتسبين إليها؟

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

قضية “الفساد الانتخابي” المتابع فيها الحيداوي.. محكمة آسفي تُحدد 29 أبريل الجاري للنطق بالحكم

  حددت المحكمة الابتدائية في آسفي أول أمس