أبواب حدائق أكدال المغلقة

أبواب حدائق أكدال المغلقة

- ‎فيرأي
207
6

ياسين عدنان

مفارقات مراكش لا تنتهي. الأشغال جاريةٌ على قدم وساق. الحدائق والفضاءات الخضراء الصغيرة المبثوثة في مختلف أنحاء المدينة تنغل بالعمال. يشذّبون الأشجار ويتعهّدون المغروسات. كل هذا طيّب. لكن أمّ الحدائق أكدال مغلقةٌ كالعادة. مغلقة في وجه أبناء المدينة. تفتح أبوابها ليومين فقط في الأسبوع: الجمعة والأحد.
مررت هذا الصباح من هناك فوجدت الحديقة مغلقة. حتى الجمعة؟ سألت حارسا هناك، فأخبرني أنها مغلقة اليوم. قلت له: أعود يوم الأحد إذن؟ قال لي: لا ترهق نفسك بالتنقل إلى هنا. ستكون الحديقة مغلقة يوم الأحد أيضا.
انسحبت في هدوء، ولم أجد تعليقًا. عوض أن تفتح الحديقة يوميًّا في وجه زوّار مراكش وسيّاح البيئة، هاهم يتراجعون حتى عن اليومين اليتيمين.
بداخلي صرخة لا أعرف كيف أطلقها. ولا لمن أتوجّه بها. هل لعمدة المدينة؟ لوالي مراكش؟ للمندوب العام لكوب 22؟
يا أخي كيف تغلقون أبواب حدائق أكدال في وجه أبناء المدينة و زوّارها، وفي وجه ضيوف كوب 22؟
لديكم كنزٌ بيئيٌّ لا تعرفون كيف تقترحونه على العالم؟
مراكش الحمراء، ليست حمراء فقط، بل خضراء أيضًا. بل هي خضراء أساسًا. سمّاها الأسلاف “الحاضرة البستان”، وهي اليوم تتوفر على 30 حديقة ومنتزها مفتوحين في وجه السكان والزوار. هذا جيد. لكن أكدال هي أمّ الحدائق وعروس البساتين، فكيف تبقى مغلقة في وجه المراكشيين على مدار السنة؟ وكيف لا تفتح أبوابها بشكل يومي على الأقل خلال أيام المؤتمر؟
أكدال نمط غير مسبوق في مجال تصميم وهيكلة الحدائق في العالم العربي. منذ القرن الثاني عشر وهي تحافظ على سموق دُوحها وتنوُّع أغراسها وأشجارها المثمرة من نخيل وكروم وتين ورمان وجوز ولوز وحوامض وزياتين. لعلها اليوم الحديقة الأقدم في كل البلاد العربية. فالحدائق المُجايلة لها أو التي سبقتها في المشرق لم يعد لها وجودٌ اليوم، وكل ما تبقّى منها قصص وحواديث مدفونة في بطون الكتب. الحديقة الوحيدة التي صمدت هي أكدال. وحدها عرف الموحّدون كيف يحمونها بسور تاريخي متين حافظ لها على امتداد مساحتها الشاسعة التي تتجاوز 500 هكتار. لعل أكدال اليوم أكبر حديقة -من حيث المساحة- في كل العالم العربي. صهاريجها تعطي فكرة عن مدى نبوغ أسلافنا في علوم المياه والرّيّ، عن براعة الموحّدين في تجميع المياه وتخزينها ثم توزيعها واستخدامها في السقي.
في مراكش جيلان من الحدائق: العراصي الأميرية التي أنشئت في أواخر القرن الثامن عشر أيّام حكم السلطان محمد بن عبد الله وأشهرها عرصة مولاي المامون، حيث فندق المامونية اليوم، وعرصة مولاي عبد السلام الضرير. وبساتين القرن الثاني عشر السلطانية. ولدينا بستانان سلطانيان مازال على قيد الخضرة هما المنارة وأكدال. لكن حدائق أكدال مسجونة مع الأسف، حتى والمغرب يستقبل أكبر تظاهرة بيئية في العالم، هاهو أهم ملاذ بيئي داخل مراكش مسجون خلف أبواب مغلقة. حتى وقرية الكوب 22 تبعد عن أكدال بخمس دقائق فقط، مشيا على الأقدام، ها هي الحديقة مغلقة. ولا من يحتجّ.
لا أملك تعليقا، لكن يبدو أنها مفارقاتُ مراكش.. وهي لا تنتهي أبَدًا.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،