الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16م/ 10هـ الحسن إدوعزيز*

الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16م/ 10هـ الحسن إدوعزيز*

- ‎فيرأي
629
6

 
الجزء الثالث:
يتبين من النصوص التاريخية السالفة إذن، وبشيء من الوضوح، مدى الإزدهار الزراعي والصناعي الذي عرفه اقليم سوس على مر فتراته التاريخية الطويلة. فهو ساهم بشكل وافر في تنمية اقتصاد المغرب طيلة العصر الوسيط. وإذا ارتبط ذلك الازدهار الاقتصادي بالمؤهلات التي وفرها الوسط الطبيعي، كمجال فلاحي غني يزخر بجل المواد الفلاحية المتنوعة، والأولية كالنحاس والفضة، ومواد صناعية أخرى. فإنه ارتبط كذلك بالاهتمام الذي أولته الدول المتعاقبة على الحكم في المغرب للمسالك التجارية العابرة له؛ خاصة فيما يتعلق بسلامتها من قطاع الطرق. ولعل هذا الاهتمام وصل مداه في عهد السلطان السعدي “أحمد المنصور الذهبي” الذي قال عنه “ابن القاضي”: ”كان أول ما صرفت إليه همته تمهيد الطرق على المسافرين بمنازل وخيم، وأمر بسكناها على الطريق، وبين المنزلة والمنزلة ما يقرب من اربعة وعشرين ميلا، يسكنها اهل البادية، فقد جرى لهم على ذلك من إقطاع الأرض ما يكفيهم ثوابا على سكناهم هنالك، وأمرهم ببيع الشعير والطعام واللحم والعسل وغير ذلك، مما يحتاج إليه المسافر ودوابه…، وإن باتت لديهم قافلة يحرسونهم طوال الليل ويحوطون أمتعتهم وإن ضاع شيء فيها ضمنوه لربه”.
ومن مظاهر استغلال السعديين للمؤهلات الطبيعية التي يزخر بها إقليم سوس كذلك، اهتمامهم بتطوير المنتجات الفلاحية والصناعية اهتماماً كبيراً منذ ظهور دولتهم؛ وخصوصا صناعة السكر. إذ يُلاحظ أن تطور هذه الصناعة واكب تطور المشروع السياسي للدولة السعدية منذ تأسيسها؛ فنمت بتواز مع نموها وتراجعت بتراجعها وأفولها. بل شكلت مشروعاً استثمارياً استراتيجياً ناجحاً لتلك الدولة، وذلك بفضل ما كان قطاعها يدره من مداخيل مهمة، استفاد منها الأمراء والسلاطين في انجاح مشاريعهم السياسية، وتمويل صفقاتهم للحصول على الأسلحة المستوردة، واستنفار أنصارهم لمواجهة القوى السياسية والعسكرية المنافسة؛ سواء من الداخل (الوطاسيون والأمراء المحليون) أومن الخارج، كالقوى الإيبيرية التي كانت تحتل معظم سواحل البلاد، والأتراك العثمانيين، الطامحين في ضم المغرب إلى خلافتهم المترامية الأطراف.
– مظاهر اهتمام السعديين بصناعة السكر:
ولعل ما يؤكد اهتمام المخزن السعدي بصناعة السكر، لأهميتها الاستراتيجية، هو”تأميم” هذا القطاع واحتكاره كما يشير الأستاذ ابراهيم حركات. ويتجلى ذلك في قيام السلطان عبد الملك المعتصم (1576-1578 م) ثم أخيه أحمد المنصور (1578-1603 م) من بعده في بذل جهود مضنية من أجل إعادة الحياة لمعامل السكر بسوس. فهذا الأخير، أقدم على إنعاش هذه الصناعة وتطويرها والنهوض بها بشكل لم يعهد من قبل. حيث لن يجانب الباحث، في هذا المجال، الصواب إن قال بأن هذا القطاع شكل، في عهد هذا السلطان بالذات (أحمد المنصور الذهبي)، أضخم مشروع استثماري في الصناعة التحويلية الغذائية بالمغرب الحديث بفعل النفقات الباهظة التي كلفها، وبفعل مجموعة من الإجراءات والمشاريع الضخمة التي سهر المخزن السعدي على تنفيذها؛ والتي يُمكن ايجازها كالآتي:
– استغلال المساحات الزراعية الكبيرة والخصبة بسوس:
فلزراعة القصب وبناء المصانع، تمت تهيئة كل المساحات الزراعية المتوفرة بالمناطق الخصبة بهذا السهل الغني. ولا سيما الواقعة منها بجوار الأودية والأنهار، والتي كان معظمها بأحواز المحمدية (تارودنت الحالية) بإقليم سوس. حيث بلغت مساحة أحد الحقول بجنوب غرب تارودَانْت، كما يشير أحد الأركيولوجيين (Paul Berthier) حوالي 15.000 هكتار. كما تم توسيع المساحات المزروعة بكل من “اكلي”، و”تييوت”، و”تزمورت”، و”تدسي”. فمدينة “تيدسي”، مثلا، كانت أنذاك قد صُممت لحماية الطواحين ومعاصر السكر، وكانت تُحيط بها عدة أراض صالحة للحرث تُسقى بواسطة المياه المأخوذة من “واد سوس”. كما أن السكان كانوا فلاحين وأصحاب حقول، يعملون في طواحين السكر مع بعض الأرقاء المسيحيين، وعادة ما كان يقيم بالمدينة عامل مع ثلاثمائة فارس، يسكنون في القرى المجاورة للمدينة، على نحو ما يشير إليه مارمول كربخال…
….يُتبع
*طالب باحث في التاريخ

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،