الحكاية الثانية من حكايات الاميرة ذات الهمة .. نشأة جندبة

الحكاية الثانية من حكايات الاميرة ذات الهمة .. نشأة جندبة

- ‎فيفن و ثقافة
261
6

 

محمد فخرالدين

و كان في القرب من ذلك المكان أمير يقال له دارم ، و كانت زوجته حاملا فلما وضعت مات طفلها فحزن على ذلك غاية الحزن ..
ُثم إنه خرج في رحلة صيد يتسلى عن همه ، فلما طارد الوحش ساقه القضاء إلى ذلك الغدير ، فوجد المرأة مضرجة بدمائها و المولود يرضع من ثديها وقد كان الحر شديدا ، فأرسل الله طائر جندب يظلل الرضيع بجناحيه من الهجير ..
تم إن الأمير دارم أرسل الرسل إلى الديار ليأتوا بغاسلة و إزار، فجعلوا لها قبرا ودفنوها و صلوا عليها ، و أخذ دارم المولود ، و لما وصل إلى الديار أعطى الطفل إلى زوجته و أعطاها الحرز الذي وجده عليه ، و قال لها:
ـ خذي هذا الحرز و علقيه على رأس الرضيع ….
فأخذته زوجته و علقته على راس المولود ، و عزمت على تربيته و العناية به و اتخاذه مكان ولدها ،فقالت لها عجوز بأن لا تقوم بذلك لأنها لا تعرف أصله و نسبه ، لكنها كانت محتاجة الى الولد ..
ُم إنهم سموه جندبة نسبة الى الطائر الذي كان يضلله بجناحيه من حر الشمس،و لما صار له من العمر سبع سنين أرسلوه الى الكتاب ليحفظ القرآن و يتعلم الكتابة ،و تدرب على فنون الفروسية حتى صار بطلا صنديدا لا يشق له غبار و لا يعتدى له على جار ..
تم إن دارم غار على قبيلة بينه و بينها ثأر قديم تتزعمها قائدة قوية تسمى الشمطاء ، فقاتلته قتالا شديدا لم يتوقعه منها و اسرته ، و هرب باقي رجاله فلما علم اولاده بالأمر و كانوا عشره بالتمام ، لبسوا لباس الجلاد و ساروا الى الشمطاء لتخليص أبيهم من أسرها لم يستطع أحد الانتصار عليها، و أسرتهم جميعهم ..
و كان جندبة غائبا عن الحي فلما وصل الديار ووصلته الاخبار ، سار جندبة اليها في الحال ، و نزل الى الميدان ، و بارزها مبارزة الشجعان ، طول النهار حتى دقت طبول الانفصال و في اليوم التالي طلب النزال ، فنزلت اليه في الحال فغافلها و صرخ عليها صرخة تزلزل الجبال ، ففزعت و حمل عليها بالسيف فصرعها في الحال ،ثم إنه قسم مالها على فرسانها ، و لم يأخذ منه شيئا ، و خلص الأمير دارم من الأغلال ، و كذلك أبناءه عاد بهم الى الديار ..
و شاع خبر جندبه بما فعل من الفعال ، فارتفع قدره و صار يهابه الابطال و الشجعان ..
أما دارم فقد لحقه الحسد من فعل جندبة بالأبطال في ميدان القتال ، وأراد أن يطرده من الديار ، فطلب منه الرحيل و الإذن بالمسير بعد ان شكره على تربيته و إحسانه ، فقال له دارم:
ـ نريد منك ان تدفع لنا هذا الحرز المعلق على جبينك ،لنعلم ما به تم نعود به اليك ..
فأخرج جندبة الحرز و دفعه اليهم ، فوجد فيه دارم حسبه و نسبه و قومه وعربه ، فلما علم انه ابن الحارث من بني كلاب صاح :
ـ يا للعرب إن هذا ابن الحارث من بني كلاب و لنا عليه ثار مند قديم الزمان ..
ثم إن دارم وأولاده هجموا على جندبة ، فقتل هذا الأخير دارم و فرق أولاده في البراري و القفار ..
ثم رحل عنهم جندبة حتى وصل الى رياض حسنة، و جد فيها خباء منفردا خرج منه شخص طويل القامة ، لما رآى جندبة حمل عليه بكل قوته فتلقاه الأمير جندبة بجنان كالصخر ، و تطاعنا حتى ان رماحهما تكسرت ،و تضاربا بالسيوف الى ان تثلمت ، و بعد ساعة هاجمه جندبة و ضايقه ،و قد سد عليه طرائقه ، فطلب منه الفارس الصفح بصوت رقيق ..
فعلم ان الفارس هي فارسة ، و لما أخبرته بقصتها نظما و شعرا فتعجب غاية العجب من فصاحتها ..
ثم انها استضافته في حيها ففرح به الجميع و اكرموه غاية الاكرام و صادف ان ورد معه تلك الليلة ضيوف ، فتجاذبوا اطراف الحديث، و كان فيهم الخادم سلام الذي قتل امه فلما حكى قصته ، أخذ جندبة سيفه و ضربه و اطاح رأسه في الحال ..

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،