فقط حتى لا ننسى.. 

فقط حتى لا ننسى.. 

- ‎فيفن و ثقافة
204
6

فؤاد الزويريق

 

محمد البسطاوي من الممثلين القلائل الذين فهموا معنى التمثيل ومارسوه بإبداع، يتقن دوره وينسحب بصمت، هو من الممثلين المغاربة المعدودين على رؤوس أصابع اليد الواحدة، أولئك الذين يشخصون الأدوار المركبة بحرفية واتقان، لغته الجسدية تتماهى والدور الذي تتقمصه، تسايره ببراعة وإحكام، بريق عينيه يكشف ذكاءه، إذا تكلم عن الفن تشعر بغيرته عليه وحبه له. محمد البسطاوي ذاك الفنان الاستثنائي، قد تتعرف عليه وتشير إليه من بين الآلاف وتصرخ عاليا، هذا هو، فقط من خلال ترانيم لغته، تلك التي جعلته مميزا بين أقرانه، يعرف كيف يروض الكاميرا، وكيف يقبض على اللقطة، هو ابن هذا المجتمع بواقعه وخياله، فكلما أغمضت عينيك، وفتحت جهازك، وتناهى الى سمعك صوته، تقول هذا أنا، لأنه بارع في التسلل الى دواخلك، يقرأها ويرددها أمامك، فتصفق لبراعته، وتندهش لتشخيصه، ثم تهمس بإعجاب، إنه بطل، أجل هو بعينه، محمد البسطاوي تلك البولفونية الساحرة المتعددة والمعقدة في الوقت نفسه، يصرخ، يبكي، يحزن، يغضب، يفرح، يصرخ، يشتم، يبتسم، يتجهم…كل تصرف، كل حركة، كل سلوك تجده متقنا متميزا، متمرد على ذاته، وعلى صورته الواقعية داخل الشاشة، فقلما تجد محمد البسطاوي في أعماله، إذ يتجرد من شخصيته الأصلية ليتقمص أخرى لا تشبهها في شيء، يُنَحي حياته الواقعية جانبا، ليبدأ مع كل ”أكسيون Action” حياة أخرى، لا تشكل بديلا يهرب إليه، أو عملا يقتات منه كما يفعل البعض، بقدرما تشكل إبداعا متكامل الأركان في شكله وجوهره.
محمد البسطاوي لم يكن فنانا فقط، لم يمكن ممثلا عاديا كغيره من الممثلين، كثيرون هم الممثلون الذين ينطون صباح مساء داخل قنواتنا، ومسارحنا… لكن القليل منهم فقط يمارس التمثيل الحقيقي الصادق، البسطاوي يمارس جلد الذات (self-flagellation) ليس بمفهومه الديني بل الفني والنقدي، يمارسه أمام الكاميرا بإتقان، يمارسه في كل دور يشخصه، لم يُستدرج الى هذا المجال اعتباطا، بل عن موهبة واستحقاق، فرض نفسه فرضا فأبان عن قدراته الابداعية التي فاقت بعض الاعمال التي شارك فيها، كان مرآة عاكسة للانسان المغربي بتفاصيله الظاهرية والباطنية، كانت موهبته مشرعة على رياح التجديد والتغيير من عمل الى عمل، لم يستسلم للكاميرا أبدا بل قاومها بجمالية تشخيصه، فرغم اقتراب الذكرى الاولى على رحيله مازلت لم أصدق بعد انه اصبح نوستالجيا في بحر الذاكرة، هو الذي كان يتحكم في أزرار مصعد الاعمال التي كان يشارك فيها، يضبط أوتارها، ويشكل ايقاعاتها، كان رحمه الله نقطة ضوء وسط نفق فني معتم، كان نغمة هادئة وسط فوضى صاخبة.

عن الفيس بوك

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت