الحكاية الثالثة من السيرة الظاهرية.. الحرب

الحكاية الثالثة من السيرة الظاهرية.. الحرب

- ‎فيفن و ثقافة
196
6

 

د. محمد فخر الدين

 

ثم إن المقتدر بالله صاح فيمن من معه من العساكر و الأجناد :

ـ اهجموا على اللئام و اعملوا فيهم الحسام، فمن عاش يكون سعيدا و من مات سيكون شهيدا ..

وحملوا عليهم حملة رجل واحد ، وعمل البتار و طلع الغبار، وقدحت حوافر الخيل الشرار ، و قصرت الأعمار ، و سال الدم مثل الأنهار …

و بقيت الحرب إلى أن ولى النهار، و احتاط الكفار بالمسلمين من كل جانب لكثرة العدد ، ولأن الحمية تغلب الأسد ، فتكاثروا عليهم و أسروا من المسلمين أربعة آلاف فارس، و جرح أكثرهم ،ثم إنهم أضرموا النيران و تحارس الفريقان إلى أن أصبح الليل بالصباح ، و أضاء بنوره و لاح .

فركب الخليفة و من معه من المسلمين ، فزاد عيهم العدد وقل المدد ، و أخذوهم الأعجام أسرى و من بينه الخليفة المقتدر بالله ، و ضربت الكوسات والأبواق و المزامير احتفالا بالانتصار و سقوط بغداد ، فلما سمع الوزير العلقمي ما جرى و صار و تيقن من الأخبار ، أمر بفتح أبواب المدينة لاستقبال هالوون الملعون ..

و خرج في جماعة من رجاله ليتلقاه و يهنئه بالضفر و الانتصار ، و قال له:

ـ ما أنت إلا بطل همام و أسد ضرغام ..

و دخل هلاوون و رجاله إلى بغداد ، و تركوا الخليفة في القيود و الأصفاد ، ثم إن الوزير العلقمي أدخله إلى القلعة وأجلسه على عرش الخليفة المقتدر بالله ، و قال له :

ـ أنت تستحق حكم بغداد أكثر من المقتدر ورب العباد ..

تم إن هلاوون لما تم له ما أراد ، سأل الوزير العلقمي وزاد:

ـ أما أنت مسلم و الخليفة مسلم ، فما الذي دفعك إلى عزله ، والمكيدة له …

فحكى له ابن العلقمي الأمر من أوله إلى أخره ، و حكى له عن سره و باطنه ..

فقال له هلاوين :

ـ ويلك إن كنت قد غدرت بمن هو على دينك من أجل حمامة، فتهلكنا نحن الآخرين من أجل ذبابة ، وإن لم يكن لك خير في دينك و أهل ملتك ، فكيف يكون لك خير فينا.. و لا بد أن نجازيك على أفعالك و أعمالك ..

ثم إن هالوين صاح بالحرس، و قال لهم :

ـ خذوه و اصلبوه على باب المدينة ليكون عبرة لمن يعتبر..

فقاموا بفعل ذلك في الحال على سبيل الاستعجال و صلبوه على باب المدينة يشمت فيه الرائح و الغادي ..

تم إن هلاوين نادى على الأسرى و من بينهم المقتدر بالله، فلما رأى الوزير العلقمي مصلوبا على باب المدينة ، قال :

ـ الحمد لله على نصره.. و كيف لقي الخائن جزاء فعله ..

ثم سار الخليفة و من معه من الرجال ، و هو يحجل في السلاسل و الأغلال ، و لما رآه الملعون هالوون ارتعد منه خوفا هيبة من الله تعالى رغم أنه غارق في القيود ، ثم أمر بسجنهم جميعا دون كلمة واحدة..

فأخذوهم إلى السجن و في أرجلهم القيود الثقال ،و في أعناقهم السلاسل و الأغلال ، فلما رأى أمير المؤمنين نفسه على تلك الحال قال كلمة لا يخجل قائلها و هي لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و انشد يقول :

أسلمت أمري لرب السماء قدير …على تيسير كل أمر عسير

و بينما هم كذلك و هلاوون في فرح و سرور إذ تقدم اليه خمسة و سبعين من الأكراد، و هم يلبسون ثيابا الفقراء و يحملون سيوفا من خشب..

فاعتقد هلاوون أنهم مجموعة من الفقراء المسلمين جاؤوا لتهنئته و تقديم الفرجة وطلب إحسانه، فأراد أن يتفرج عليهم ماذا يقولون و كيف يتعبدون، فلما دخلوا القصر صاروا يسجدون و يحمدون الله الواحد القهار فصاح هلاوون في عساكره اضربوهم و من القصر أخرجوهم ..

فصاروا يهللون بصوت أكبر و يصيحون الحمد لله و الله اكبر خذل و نصر، اهجموا على أهل الشر و العناد، و أجابهم من خارج القصر حوالي سبعين ألف من الأكراد الله أكبر ، وهجموا بجيش مثل الجراد ..

و بينما الخليفة في السجن و إذا برجال من الأكراد يتقدمهم رجل كردي يقال له يوسف صلاح الدين ، و إذا به وقف أمام باب السجن و ضربه بيده ضربة واحده فانكسر الباب ،تم إنه أشار بأصبعه إلى من كان في السجن من المؤمنين فتساقط الحديد من أعناقهم في الحال ، و تخلصوا من القيود الثقال ، فخرجوا و في أيديهم السيوف الصقال ،و صاحوا بالحرب والوبال على آهل الكفر و الضلال …

تم إن الأكراد جردوا سيوفا من الخشب ،فحل بالكفار العطب، و سقوهم كاس البوار، لم يبق منهم لا صغار و لا كبار،بفضل القاهر الجبار، و لم ينج إلا الملعون هالوون واثنين من أصحابه لا يزيدون ، و طلب الفرار في البراري و القفار و هو لا يقر له قرار ..

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،