“الحداثيون” و تدعيش المجتمع الآليات و الأهداف

“الحداثيون” و تدعيش المجتمع الآليات و الأهداف

- ‎فيرأي
193
6

مـحـمـد أقـديـــم

هذا التجييش و التحريض و الاستفزاز و التقاطب الذي يعرفه المجتمع المغربي منذ شهرين غير بريئ بتاتا، و ليس عاديا و لا طبيعيا، إنه مسلسل من الأحداث المتفرّقة في الزمان و المكان و المختلفة الأشكال، و سارت تتطوّر بشكل تصاعدي ، ممّا ليس بصعب على أي متتبّع حصيف و مراقب نبيه أن يلاحظ بأنها أحدات و تطورات مرتّبة و منظمة ، و ربّما مخطّط لها عن سابق إصرار و عناية، و هذا ما يكشف بأنها لا تخلو من غايات معيّنة يسعى الواقفون وراءها و الماسكون بخيوطها في الخفاء إلى تحقيقها، قد تكشف عنها الأيام المقبلة، و كلّ هذا كان مرافقا إعلاميا في المواقع الإلكترونية و المواقع الاجتماعية بترويج خطاب، من طرف المحسوبين عن التيّار “الحداثي” و اليساري، يتّهم المجتمع و الدّولة بالدّاعشية و التّطرف.

الآليات :

و انطلق هذا المسلسل و سار عبر الخطوات و المحطّات التالية :

1- تسريب مقاطع من الفيلم المعلوم، الذي أحدث رجّة أولى داخل المجتمع.

2- استدعاء مغنية أجنبية(جينيفير لوبيز) الى مهرجان موازين، و هي معروفة بتعريها و رقصها الإباحية في كل المهرجانات التي تشارك فيها في العالم.

3- نقل سهرة الكشف عن المؤخرة على شاشة دوزيم.

4 – اعتقال شاذين جنسيين في منطقة حسان بالرباط في وضع مخلّ بالحياء العام.

5- هجوم جماعة من الغوغاء على منزل أحد الشواذ بمدينة الرباط

6 – فتاتين شاذتين فرنسيتين من منظمة “فيمن” تتعريّان في حسّان بالرباط أمام الضريح .

7- تسريب أسئلة مادة الرياضيات لامتحان الباكالوريا لشعبة علوم الحياة و الأرض و ما خلّفه من صدمة في وسط كل الأسر، وضرب لمصداقية أهم شهادة مدرسية مغربية.

8 – دعوة المدعو “سيد القمني” من طرف مجلس مقاطعة يعقوب المنصور بالرباط لإلقاء محاضرة كلّها طعن و قدح في توابث الوحدة الوطنية للمغاربة.

9 – الهجوم على فتاتين شبه عاريتين بانزكان و اعتقالهما و متابعتهما قضائيا. و متابعة دوزيم لذلك إعلاميا.

10 – تنظيم وقفة “صايتي حريتي” و تغطية دوزيم لها إعلاميا، و انجرار الكثير من المحسوبين عن الصف “الحداثي” و اليسار إليها .

11 – الهجوم على شاذ جنسيا بشكل همجي بمدينة فاس .

وهكذا يتّضح للمتتبّع أنّ الواقفين وراء هذه الأحداث قد وظفوا في صُلبِ مخطّطهم القضايا الإيديولوجية الهامشية التي تفرّقُ المغاربة و لا توحّدهم ، و التي تشتّتهم و لا تجمعهم (الجنس- الفنّ – اللباس.)، مقابل إبعاد القضايا الاجتماعية و الاقتصادية التي تهمّ المغاربة قاطبة. و جعلوا الحريات الفردية شعارا لكل خطواتهم السالفة الذكر، حيث وضعوها في موقع الاستهداف و الضحية، ممّا يقتضي من أنصارها التكتّل و الحشد للدفاع عنها و التغطية الإعلامية لها من طرف قناة عمومية، و هذا بدوره يتطلّب التنقيب عن “التطرف و الدّاعشية” في السلوكات الشخصية للمغاربة و عاداتهم الاجتماعية و في خطابهم الديني و في أقوالهم المتداولة.

و يمكن للمراقب خلال كل هذه التطوّرات أن يرصد الكثير من الإصرار من طرف المحسوبين على تيار “الحداثة” على نعت أي قول أو فكرة أو سلوك للمغاربة، و لو كان بسيطا لا يروق لهم، بالدّاعشية، رغم أنّها سلوكات و أفكار و أقوال ومعتقدات و انحرافات و أخطاء معروفة في أوساط المغاربة قبل أن تظهر داعش الى الوجود بعقود و قرون، و يمكن أن تصدر عن المغاربة في الأوساط الشعبية، إمّا عن جهل و جهالة و أمية، أو عن فهم خاطئ للدين، أو عن غيرة أو استفزاز، أو عن بلطجة و عربدة و خرق للقانون، لكنها حتما لا علاقة لها لا بداعش و لا فاحش، هذا الإصرار على تدعيش المجتمع المغربي رغما عنه في خطاب الحداثويين غير بريء، حيث هناك سعي حثيث إلى خلق داعش في المغرب خطابيا و إعلاميا، بعدما لم تستطع داعش أن تجد لنفسها موقعا داخل المجتمع المغربي.

الأهــداف:

وضع هذه الأحداث في السياق الإقليمي و الوطني يساعد على فكّ بعض طلاسيم هذه التّطورات التي أشرنا إليها سابقا، فعلى الصعيد الإقليمي فالعديد من الدول في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ، التي كانت في طليعة ثورات الربيع الديموقراطي شهدت ردّة في الانتقال الديمقراطي، إذ عرفت في الحريات العامّة مجزرة حقيقية و شهدت فوضى سياسية اجتماعية خطيرة ، و أعمال إرهابية ، وعودة للاستبداد بقوة و عنف، متدثرا بشعار حماية الحرية،و ملفوفا و مدعوما بجزء كبير من النخب العلمانية و اليسارية.

على المستوى الوطني، و ما دام المغرب بدروه قد عرف في سياق ثورات الربيع الديموقراطي مجموعة من الإصلاحات و المكتسبات و في مقدمتها دستور 2011، و بالتالي ففي سياق الردّة الإقليمية عن الانتقال الى الديموقراطية و زحف الاستبداد، يمكن أن تكون هذه الأحداث التي يعرفها المغرب، و المشار إليها سلفا، تمهيدا و تبريرا و ذريعة لنكسة منتظرة في المكتسبات التي عرفها المغرب مند سنة 2011 في مجال الحريات العامة على شكل تغييرات في التشريعات و القوانين و على رأسها تعديل دستوري محتمل، قصد مصادرة ما يضمنه هذا الدستور من حقوق و مكتسبات، بمبرر محاربة التطرّف و الداعشية، و عليه كان حصان طروادة هو حماية الحريات الفردية، من خلال تحريك مجموعة من الأحداث ذات الطابع المستفزّ لعموم المواطنين البسطاء، و تضخيمها إعلاميا من طرف قناة عمومية(دوزيم)، و هكذا انخرط “الحداثويون” في هذه المعركة المفتعلة، و انجرّ إليها جزء من اليسار العاطل عن النضال مند عقد من الزمن، و هكذا ستكون الحريات الفردية ذريعة لضرب الحريات العامّة، فهذه الأخيرة هي التي تضمن للمجتمع الدفاع عن مطالبه الاجتماعية الأساسية من شغل و تعليم وصحة وسكن. كما جعلت أطراف سياسية أخرى هذه الأحداث مناسبة للتعبئة للانتخابات الجماعية المقبلة و التي لا يفصلنا عنها سوى شهرين، قصد تحصين مواقعها في تدبير الشأن المحلّي في الكثير من مدن المغرب.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت