مـحـمـد أقـديـــم
هذا التجييش و التحريض و الاستفزاز و التقاطب الذي يعرفه المجتمع المغربي منذ شهرين غير بريئ بتاتا، و ليس عاديا و لا طبيعيا، إنه مسلسل من الأحداث المتفرّقة في الزمان و المكان و المختلفة الأشكال، و سارت تتطوّر بشكل تصاعدي ، ممّا ليس بصعب على أي متتبّع حصيف و مراقب نبيه أن يلاحظ بأنها أحدات و تطورات مرتّبة و منظمة ، و ربّما مخطّط لها عن سابق إصرار و عناية، و هذا ما يكشف بأنها لا تخلو من غايات معيّنة يسعى الواقفون وراءها و الماسكون بخيوطها في الخفاء إلى تحقيقها، قد تكشف عنها الأيام المقبلة، و كلّ هذا كان مرافقا إعلاميا في المواقع الإلكترونية و المواقع الاجتماعية بترويج خطاب، من طرف المحسوبين عن التيّار “الحداثي” و اليساري، يتّهم المجتمع و الدّولة بالدّاعشية و التّطرف.
الآليات :
و انطلق هذا المسلسل و سار عبر الخطوات و المحطّات التالية :
1- تسريب مقاطع من الفيلم المعلوم، الذي أحدث رجّة أولى داخل المجتمع.
2- استدعاء مغنية أجنبية(جينيفير لوبيز) الى مهرجان موازين، و هي معروفة بتعريها و رقصها الإباحية في كل المهرجانات التي تشارك فيها في العالم.
3- نقل سهرة الكشف عن المؤخرة على شاشة دوزيم.
4 – اعتقال شاذين جنسيين في منطقة حسان بالرباط في وضع مخلّ بالحياء العام.
5- هجوم جماعة من الغوغاء على منزل أحد الشواذ بمدينة الرباط
6 – فتاتين شاذتين فرنسيتين من منظمة “فيمن” تتعريّان في حسّان بالرباط أمام الضريح .
7- تسريب أسئلة مادة الرياضيات لامتحان الباكالوريا لشعبة علوم الحياة و الأرض و ما خلّفه من صدمة في وسط كل الأسر، وضرب لمصداقية أهم شهادة مدرسية مغربية.
8 – دعوة المدعو “سيد القمني” من طرف مجلس مقاطعة يعقوب المنصور بالرباط لإلقاء محاضرة كلّها طعن و قدح في توابث الوحدة الوطنية للمغاربة.
9 – الهجوم على فتاتين شبه عاريتين بانزكان و اعتقالهما و متابعتهما قضائيا. و متابعة دوزيم لذلك إعلاميا.
10 – تنظيم وقفة “صايتي حريتي” و تغطية دوزيم لها إعلاميا، و انجرار الكثير من المحسوبين عن الصف “الحداثي” و اليسار إليها .
11 – الهجوم على شاذ جنسيا بشكل همجي بمدينة فاس .
وهكذا يتّضح للمتتبّع أنّ الواقفين وراء هذه الأحداث قد وظفوا في صُلبِ مخطّطهم القضايا الإيديولوجية الهامشية التي تفرّقُ المغاربة و لا توحّدهم ، و التي تشتّتهم و لا تجمعهم (الجنس- الفنّ – اللباس.)، مقابل إبعاد القضايا الاجتماعية و الاقتصادية التي تهمّ المغاربة قاطبة. و جعلوا الحريات الفردية شعارا لكل خطواتهم السالفة الذكر، حيث وضعوها في موقع الاستهداف و الضحية، ممّا يقتضي من أنصارها التكتّل و الحشد للدفاع عنها و التغطية الإعلامية لها من طرف قناة عمومية، و هذا بدوره يتطلّب التنقيب عن “التطرف و الدّاعشية” في السلوكات الشخصية للمغاربة و عاداتهم الاجتماعية و في خطابهم الديني و في أقوالهم المتداولة.
و يمكن للمراقب خلال كل هذه التطوّرات أن يرصد الكثير من الإصرار من طرف المحسوبين على تيار “الحداثة” على نعت أي قول أو فكرة أو سلوك للمغاربة، و لو كان بسيطا لا يروق لهم، بالدّاعشية، رغم أنّها سلوكات و أفكار و أقوال ومعتقدات و انحرافات و أخطاء معروفة في أوساط المغاربة قبل أن تظهر داعش الى الوجود بعقود و قرون، و يمكن أن تصدر عن المغاربة في الأوساط الشعبية، إمّا عن جهل و جهالة و أمية، أو عن فهم خاطئ للدين، أو عن غيرة أو استفزاز، أو عن بلطجة و عربدة و خرق للقانون، لكنها حتما لا علاقة لها لا بداعش و لا فاحش، هذا الإصرار على تدعيش المجتمع المغربي رغما عنه في خطاب الحداثويين غير بريء، حيث هناك سعي حثيث إلى خلق داعش في المغرب خطابيا و إعلاميا، بعدما لم تستطع داعش أن تجد لنفسها موقعا داخل المجتمع المغربي.
الأهــداف:
وضع هذه الأحداث في السياق الإقليمي و الوطني يساعد على فكّ بعض طلاسيم هذه التّطورات التي أشرنا إليها سابقا، فعلى الصعيد الإقليمي فالعديد من الدول في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ، التي كانت في طليعة ثورات الربيع الديموقراطي شهدت ردّة في الانتقال الديمقراطي، إذ عرفت في الحريات العامّة مجزرة حقيقية و شهدت فوضى سياسية اجتماعية خطيرة ، و أعمال إرهابية ، وعودة للاستبداد بقوة و عنف، متدثرا بشعار حماية الحرية،و ملفوفا و مدعوما بجزء كبير من النخب العلمانية و اليسارية.
على المستوى الوطني، و ما دام المغرب بدروه قد عرف في سياق ثورات الربيع الديموقراطي مجموعة من الإصلاحات و المكتسبات و في مقدمتها دستور 2011، و بالتالي ففي سياق الردّة الإقليمية عن الانتقال الى الديموقراطية و زحف الاستبداد، يمكن أن تكون هذه الأحداث التي يعرفها المغرب، و المشار إليها سلفا، تمهيدا و تبريرا و ذريعة لنكسة منتظرة في المكتسبات التي عرفها المغرب مند سنة 2011 في مجال الحريات العامة على شكل تغييرات في التشريعات و القوانين و على رأسها تعديل دستوري محتمل، قصد مصادرة ما يضمنه هذا الدستور من حقوق و مكتسبات، بمبرر محاربة التطرّف و الداعشية، و عليه كان حصان طروادة هو حماية الحريات الفردية، من خلال تحريك مجموعة من الأحداث ذات الطابع المستفزّ لعموم المواطنين البسطاء، و تضخيمها إعلاميا من طرف قناة عمومية(دوزيم)، و هكذا انخرط “الحداثويون” في هذه المعركة المفتعلة، و انجرّ إليها جزء من اليسار العاطل عن النضال مند عقد من الزمن، و هكذا ستكون الحريات الفردية ذريعة لضرب الحريات العامّة، فهذه الأخيرة هي التي تضمن للمجتمع الدفاع عن مطالبه الاجتماعية الأساسية من شغل و تعليم وصحة وسكن. كما جعلت أطراف سياسية أخرى هذه الأحداث مناسبة للتعبئة للانتخابات الجماعية المقبلة و التي لا يفصلنا عنها سوى شهرين، قصد تحصين مواقعها في تدبير الشأن المحلّي في الكثير من مدن المغرب.