الحكاية الثامنة من حكايات أبي الفوارس عنترة بن شداد

الحكاية الثامنة من حكايات أبي الفوارس عنترة بن شداد

- ‎فيآخر ساعة
1957
6

GL1nEgmFZkU

 

د محمد فخرالدين
fakhraddine@yahoo.fr
فلما علم شداد الحكاية وسمع شعر عنترة و نظمه قال :
ـ و الله إن حكاية هذا الغلام عجب عجاب ، و كتمانه ما جرى أعجب و أغرب ..
فأسرع في فك و ثاقه في الحال و هو يعتذر له كل الاعتذار …فترنم عنترة بأبلغ الأشعار و هو يصف ما حدث له من الأمر المشهور ..
و شعر شداد بكل الفخر من ابنه عنترة، و اصطحبه معه الى الوليمة التي أعدها الملك زهير احتفاء بعودة السلامة ، و دقت الدفوف و المزاهر و ذبحت الذبائح و اجتمعت سادات عبس و فرسانها و أبطالها ، وجلس شداد في صدر المجلس و بقي عنترة واقفا مع جملة العبيد ، و هو كالبطل الصنديد ، و أخذ السادات في نظم الأشعار وذكر الوقائع و الأخبار ، فحدث شداد الملك زهير بما فعل ولده عنترة من جلائل الأعمال ، و ما نبغ فيه من منظوم الأشعار ، فقال الملك زهير :
ـ ينبغي ان نعلي قدره في الحال ..
وأرسل إليه و استقدمه إلى المجلس و طلب منه أن ينشده شعره ، فأنشد من عمق الجنان و لم يستطع الكتمان و جعل يقول .. صلوا على النبي الرسول :
العشق كالموت يأتي لا مرد له ما فيه للعاشق المسكين تدبير
كم دا فيه عزيز كان مقتدرا و شاع هتك حب و هو مستور
فلما فرغ عنترة من هذا الإنشاد و طربت الفرسان الأجواد ، طلب منه صديقه مالك المزيد من الأشعار ، فقال له عنترة :
ـ سمعا و طاعة و أنشده :
العز في صهوات الخيل معقود و النصر بالسيف في الوغى جود
ما ثار نقع عجاج في معركـــة إلا أغاني السمــــر الأمــاليـــد
فتعجب الجميع من فصاحته و فرح به صديقه مالك غاية الفرح ، أما الملك زهير فقد خلع عليه حلة و عمامة لا تكون إلا عند الملوك العظام و أكرمه غاية الإكرام ..
و لما كان المساء عاد عنترة مع أبيه شداد من المجلس و هو فرحان غاية الفرح من إكرام الملك زهير و إحسانه ، و كيف جالس أكابر بني عبس و ساداتهم ، وكله أمل بإدراك المراد من حبه لعبلة ، لكنه كان لا يجرؤ على ذلك لأنه كان لا زال ينظر الى نفسه بعين العبودية ، فهو لا يستطيع أن ينظر إلى عبلة ، بل لا يملأ النظر اليها إلا إذا كان المكان خاليا خوفا من الرقباء ..
فلما كان الصباح ركب عنترة جواده، و إخوته بين يديه يسوقون الأموال من شاء و جمال إلى المراعي و القيعان مع باقي الرعيان ، و كان أخوه شيبوب أقواهم و أشدهم و هو كشيطان في صورة إنسان ، إذا جرى يلحق الغزلان ، وإذا طلبته الخيل فرقها و سبقها بين الكتبان و الوديان ..
و كان أولاد الملك زهير قد خرجوا في ذلك النهار إلى وليمة لهم في البراري و الوديان ، وأرسلوا الخدم و الرعيان قبلهم ليعدوا المكان ، فانتهوا الى رابية خضراء كانت مزهرة بالنبات في كل الجنبات ، و ضربوا فيها الخيام و نصبوا الأعلام وذبحوا الذبائح و الأغنام و أعدوا القدور و أصناف الطعام ..
و لما حضر أبناء الملك زهير جلسوا في مجلسهم و قدم لهم العبيد الطعام و المدام ، و غنت المولدات و دارت عليهم الطاسات و ارتفعت الأصوات بالشعر و النظام ..
فلما تمكن خنديسهم من رؤوسهم ، بما هم فيه من اللهو و الطرب التفت مالك بن زهير فرآى صديقه عنتر و هو راكب على جواده كقلة من القلل أو قطعة انفصلت من جبل ، و الخيل و الجمال أمامه ترعى بأمان في المراعي و الوديان ..
أرسل اليه في الحال ليكون معهم في المجلس ، و يشاركهم لحظات الأنس ، لكن أخاه ساش عارض أخاه في المقال و اعترض على حضور عنتر ، و هو عبد ، بين سادات بني عبس ..
و بينما هما في أخذ و رد الكلام ، الذي بلغ حد الخصام ، و إذا بغبرة شديدة كأنها الغمام سرعان ما انكشفت عن ثلاثمائة فارس همام …كل منهم يشابه الضرغام في القد و القوام ..و خيولهم تظهر من بعيد كالسهام و سيوفهم تلمع كالنيران …يا سادة ياكرام …
و كان هؤلاء الفرسان من بني قحطان ، و قد وصلوا الى هذا المكان في طلب غنيمة يغنمونها …و كان قد قل عندهم الزاد فتفرقوا في الوديان و الطرقات ، و قصدهم أن يسرقوا أموال بني عبس من مراعيها ، فوجدوا هؤلاء يشربون من المدام و لا عادوا يعرفون القعود من القيام ….
فقال لهم قائدهم :
ـ اهجموا عليهم لنأخذهم أسرى حتى يفاديهم قومهم بالمال ، لأنه يظهر انهم من السادات على كل حال …
فحملوا عليهم في الحال بالسيوف و النبال ، فلما شاهد أبناء الملك زهير ما حل بهم من الوبال ، تواثبوا إلى خيولهم و اختطفوا سيوفهم ، و سرعان انطبقت عليهم فرسان بني قحطان كالموج إذا ماج أو كالنقع إذا عاج ..
و كان عنتر ينظر و يرى ما يحدث من بعيد …..فخاف على صديقه مالك من المهالك …
في الغد حكاية جديدة من حكايات عنترة

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت