إساءة لنساء ورجال التعليم في أوج انخراطهم الوطني المحمود وتعبئتهم التطوعية المشكورة لربح رهان الصحة والحياة

إساءة لنساء ورجال التعليم في أوج انخراطهم الوطني المحمود وتعبئتهم التطوعية المشكورة لربح رهان الصحة والحياة

- ‎فيرأي, في الواجهة
157
0

 عبد الواحد الطالبي – مراكش

داهمتني وانا في رقدة الحجر الصحي رسالة صوتية بلغتني بصوت أشج عبر تطبيق التراسل الفوري (واتساب) تبخس دروس الفصول الافتراضية التي تطوع بها ثلة من المدرسين لتعويض الحصص الحضورية المتوقفة بسبب جائحة (كورونا) والاحتياط من تفشي الوباء وانتشاره.

وداهمتني الرسالة الصوتية التي لم أُلْقِ لها بالاً أول ما تلقيتها، بالمغالاة في الهيْنة التي وصف بها صاحب الصوت مُدَرِّسي الفصول الافتراضية في هيئاتهم وسحناتهم وتكوينهم ومعارفهم وما طلعوا به وسط اللهب على الناس ببيوتهم في ظلال.

يتحدث صاحب الصوت عن ضعف الدروس وهزالة محتواها وتقديمها بلا ماء ولا رونق يحفز لإقبال المتعلمين عليها، ويتطاول الى تحقير الإنجاز مفترضا أن الدروس التي يتم بثها عبر كل وسائل التواصل المتاحة وبعضها تبثه القنوات التلفزيونية الوطنية تم الإعداد لها والتحضير على الأريحية وفي تمام الهدوء والدعة وأن تعبئة المدرسين جرت بانتقائية وللأفضلية.

وأشد ما يسيئ في هذه الرسالة الصوتية لأسرة التربية والتكوين، تعميم الحكم أن الأساتذة “لا يفقهون ولا يقرأون ولا يبذلون أي مجهود لتعليم أبنائنا سوى بالمقابل في الحصص المؤدى عنها” وب”الركاكة” على ما يدرسه المعلمون، واصفا التعليم وصفا مطلقا ب”الكارثة“.

ومع كل الإجحاف للرسالة الصوتية في حق أسرة التربية والتكوين، يجد الاتفاق سبيله مع صاحب الصوت على ضعف التعليم عما هو مأمول له في بلادنا وما يتطلع الشعب أن يكونه طلائعيا متقدما مواكبا دامجا…دون تحميل المسؤولية في هذا الضعف والانحدار لنساء ورجال التعليم وحدهم دون بقية عناصر الذرة في هذه الخلاصة البنيوية.

وكفى صاحب الصوت ما أقر به في مطلع كلامه أن الأساتذة “شادين ولادنا“. أولادَنا الذين لا يحسن أحيانا الآباء تربيتهم ولا يهذبون سلوكهم ويبثون في مسامعهم شتى أنواع التقريع والتحقير لنساء ورجال التعليم تنكيتا وسبا وقدحا وذما، يرمونهم بكل نقيصة ومثلبة ويجعلونهم مقاصف المقارع ومرامي الدَّمِّي .

ما خفي عن صاحب الصوت وإنْ عَلِمَه إذ من بين معارفه أساتذة شهد لكلهم بالمروءة والعفة والكفاءة، أن نساء ورجال التعليم جميعهم أناطت بهم وظائفهم مهمة النضال في مدارس هجرتها الأخلاق بسبب الأسر التي استقالت من التربية، وفي القرى والبوادي التي يستنكف الموظفون من العمل بها لغياب أبسط ضرورات العيش بله الحياة، وفي المدن التي تنوء بكلكل النفقات على راتب معدود الدريهمات لا يغني ولا يسمن من جوع، وفي زمن تصلبت فيه الشفاه وتحنطت الوجوه فيه عَبَثاً يحاول المدرس ان يستلَّ بسمة أو يزرع أملا…

ليس كغيرهم من موظفي الدولة ومستخدمي القطاع الخاص، ينعم نساء ورجال التعليم -كما يسود الاعتقاد- بالراحة والنعيم في العطل وأوقات الفراغ، ولا غرو فالجالس على الشط يحسن العوم. إنهم في قدر مجنون تلفهم الكوابيس أينما وَلّوا وجوههم بين الحق والواجب، وبين المناهج والمقررات والفصول والنظريات، والمتعلمين والمتمدرسين، وبين التعليم والتعلم والتربية والتكوين والتأطير، وبين الشُّعب والمسالك، وبين التأديب والتهذيب ومعهما التأنيب والتبكيت.

العمل لديهم عذاب وجنون، ووقت الراحة حيرة وشجون، ما أضيق عيشهم! الذي يغبطهم عليه مَن يجهل أوضاعهم ولا يدري ظروفهم وتجمدت أحاسيسه لدى استشعار ما يعانيه نساء ورجال التعليم في أقسامهم ومكاتبهم وفي حرم المدارس وحتى في بيوتهم…

أعود للرسالة الصوتية التي نادتني من هاتفي الذي أجج قبَس الضمير وأجج غيرة الانتماء لجسم كنت انتسبت إليه عضوا، وأذني صاغية لشخص قادته البغتة لمتابعة درس -كما يقول- على قناة الرابعة لم يشبع نهمه المعرفي ولا فضوله الديداكتيكي فانتحى باللائمة على أستاذ الدرس ولم يساوره شك أن تكون قدرات الفُهومِ ومحدودية الإدراك هي المسؤولة.

لست في موقف دفاع عن أستاذ ربما لا أكون مؤهلا لتقييم أدائه ولم تسعفني الفرصة لمشاهدته، ولكني مستغرب لشخص صرح أنه أب لثلاثة أطفال متمدرسين يكتشف فجأة أن المدرسين هم سبب فشل منظومة التعليم وضعف المستوى وما تلا ذلك من أوصاف في كلامه للمدرسة المغربية قضى بها حكما نهائيا من خلال درس تجريبي لأول تحدٍّ تركبه وزارة التربية الوطنية لربح رهان الفصول الافتراضية ووضمان استمرارية الموسم الدراسي بلا بياض في ظل حالة الطوارئ الصحية المفروضة للتصدي لاجتياح وباء فيروس كورونا.

وأخالني جازما أنه لولا حالة الطوارئ الصحية هاته وما أتاحه نساء ورجال التعليم مشكورين من مبادرات خاصة بروح وطنية وثابة وانخراط نضالي مسؤول بإمكانات ذاتية ومعهم وزارة التربية الوطنية بجهود محمودة تزكيه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، ما كان لغير من يحسنون النقد والذين يأكلون ويشربون ويرتعون ويمرحون بلا حول ولا قوة في الظلال على الأرائك متكئون…أن يكون لهم رأي وهم دون ذلك في غفوة من شؤون أبنائهم في تعليمهم وتربيتهم وحياتهم وفي غفوة عن الوطن كله وما يمور فيه لا يهمهم سوى ما ينالون من فيئ وريع.

كثير من هؤلاء وبعضهم مدرسون -وليس الناس على قدر الهم سواء- لم ينشغلوا بالوطن في محنته مع (كورونا) قدر انشغالهم بتصيد الهفوات وصب جام الغضب على هذا وذاك، فيما انبرى مواطنون كل بما تهيأ لهم من إرادة وقدرة ومما طالت أيديهم وكسبت أيمانهم… للتجند من أجل الأمة حتى تكسب معركة الحياة ضد الموت وضد العجز وضد الفناء لم يلتفت فيهم أحد وراءه لخلاف أو لحساب ولم يُثنِهِ عن فعله وتصرفه حقد أو بغض أو مذهب أو عقيدة ودين…

المواطنون الذين تعبأوا وتجندوا في معركة الصحة والحياة بببلادنا بعد الأطباء والممرضين ومسؤولي السلطة والأمن وأعوانهما ورجال الإعلام والصحافة وبعض أطراف المجتمع المدني والممونين إضافة الى القوات المسلحة، كان في مقدمتهم أساتذة ومعلمون وأطر الإدارة التربوية هبوا طواعية وبأريحية وحتى من قبل أن تكون للحكومة مبادرة الدروس الافتراضية ليجعلوا الفصل الدراسي في كل بيت أسرة وتحت يد كل قابل للتعلم من أبنائنا.

تطوع المدرسين -الذين يتم اتهامهم بما ليس بالعادة والطبيعة فيهم ولا من أخلاقهم-، لم تمله مصلحة غير مصلحة الوطن ولم يكن تنفيذ مقتضاه تحت طائلة الأمر الناجز أو التعليمات الصادرة وإنما فرضه الإيمان بالواجب والالتزام بالفضيلة تجاه أجيال تستحضر الذاكرة تعاقبَها في فصول الدراسة أمام المدررين والمعلمين والأساتذة كما يتعاقب الموج على الصخر عند الساحل في الشط.

وهؤلاء المدرسون الذين يمرون من شاشة التلفزيون تحت وابل النقد والامتهان في الصالوانات المخملية تبريهم الألسنة اللاذعة، إنما هم متطوعون وازعهم في ما يقومون به غيرتهم الوطنية وإحساسهم بالمسؤولية في ظرف ما أحوج بلادنا إلى فعل لا يكون ضارّاً وإن يكُ خاطئا، وليسوا متهافتين على الأضواء أمام الكاميرا وإلا كانت الحاجة ماسة للنجوم وليس للمعلمين.

ما خفي ووجب توضيحه، أن المبادرات لإنجاز الدروس الافتراضية تلقائية وإرادية قام بها ذاتيا من تطوع خيرا في علاقته مع تلاميذه عبر تطبيق التواصل الفوري او مواقع التواصل الاجتماعي باستعمال الوسائل الخاصة وبالامكانيات المتاحة، ومن قام بها طوعا في تنسيق مع الجهات المسؤولة وتم التصوير تحت ضغط الزمن والمقرر وغياب المحفز التربوي لتنشيط الدرس وهو التلميذ الفاعل الرئيسي في هذه العملية التدريسية لاسيما وأن بناء المناهج تم على قاعدة التعلم الذاتي الذي يجعل الاستاذ ميسرا مسهلا وليس ملقنا.

وما يجب الدعوة اليه، تعميم هذه المبادرة التطوعية وانخراط باقي نساء ورجال التعليم فيها بأريحية والتقدم للمديريات الاقليمية واكاديميات التربية والتكوين في اطار مسيرة مواطنة يتم التأكيد من خلالها على التحام أعضاء أسرة التربية والتعليم مع قضايا الوطن لربح رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بلا طمع في فيئ أو ريع وكشف حقيقة مستوى التكوين المعرفي والبيداغوجي والديداكتيكي الذي ينكره الناكرون عن المدرسين.

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت