الرباط/ نور الدين بازين
أتاحت تقنيات الإنجاب المدعوم طبيا تقديم العون للأزواج الذين يعانون من العقم، غير أن هذه التطورات العلمية أثارت قضايا دينية وأخلاقية وقانونية. ومع ظهور تقنية حقن المني داخل السيتوبلازم (ICSI )، تم توسيع هذه التقنيات المختلفة التي كانت موجهة في البدء لحالات العقم النسوي، لتشمل حالات العقم الذكوري، وصارت بعض الحيوانات المنوية القليلة كافية لإنجاز عملية التخصيب في المختبر.
ويمس العقم حوالي 10 إلي 15 في المائة من الأزواج في العالم. فهو ظاهرة اجتماعية مهمة. ويرجع العقم إلى أسباب ترتبط بالمرأة وحدها في 30 في المائة من الحالات، و إلى الرجل وحده في 30 في المائة من الحالات تقريبا، وترجع الأسباب إليهما معا في حوالي 30 في المائة من الحالات، بينما تظل حوالي 10 في المائة غير مفسرة، مع العلم أن هذه النسب تتغير بتغير المناطق وأن الخصوبة تتراجع مع التقدم في السن.
ثلاجة تخزين البويضات
وفي الدول العربية ومنها المغرب، و التي يتسبب العقم في كثير من الأحيان في التطليق أو في الزواج الثاني ( حتى دون أن تثبت مسؤولية المرأة عن ذلك)، لقيت هذه التطورات اهتماما بالغا، وأثارت طلبا كبيرا للمعلومات العلمية، كما أثارت أسئلة ترتبط بموقف الدين والشريعة. نحاول أن نجيب عنها في هذا التحقيق.
الإنجاب المدعوم طبيا
تقول الدكتورة بهاء بنعمرو، الاختصاصية في الخصوبة، إن تقنيات الإنجاب المدعوم طبيا سمحت بحل عدد كبير من المشاكل المرتبطة بالعقم، كما حملت السعادة إلى آلاف الأزواج، وجنبت عددا كبيرا منهم الانفصال، مضيفة أن الهدف الأول لهذه التقنيات، تحسين ظروف الحياة بين الأزواج والعائلات، وأن هذه التقنيات يجب أن تمارس في إطار الاحترام التام لأخلاقيات المهنة، وعليها أن تخضع لتقييمات صارمة، دون أن ننسى ضرورة الدعم النفسي للأزواج.
وتضيف الدكتورة بنعمرو، في تعريف التقنيات الطبية لدعم الإنجاب، أنها مجموعة تقنيات تهدف إلى تسهيل الإنجاب والتي يجمع بينها معالجة أمشاج الوالدين ( البويضة عند المرأة والحيوان المني عند الرجل) في المختبر. وتتمثل أولا في الإخصاب الاصطناعي للمرأة بمني زوجها المهيئ مسبقا، وفي الإخصاب داخل الأنبوب يتلوه نقل للبويضة المخصبة إلى داخل الرحم. وتهدف هذه العملية إلى الحصول على حمل لا يبدو أنه ممكن الوقوع نتيجة للعلاقات الجنسية بين الزوجين.
لطيفة بن حداد بداخل المختبر
في هذا الصدد، تشير تقديرات الأطباء المتخصصين في مجال الخصوبة، إلى أن 15 في المائة من الأزواج في المغرب، يعانون صعوبات في الإنجاب، علما أن المعلومات الإحصائية تظل غير دقيقة، إلا أن وتيرة الكشف عن عدم الانجاب في تزايد مستمر، استنادا إلى ارتفاع عدد الراغبين في الفحوصات الطبية والبيولوجية للكشف عن أسباب تأخر إنجابهم.
السياق التاريخي للعملية
تقول تقارير المختصين، إن التقنية الطبية لدعم الإنجاب، هي تقنية حديثة العهد نسبيا. وقد كان أول حمل بلغ نهايته انطلاقا من مضغ خصبت داخل الأنبوب هو الذي تم سنة 1978 بإنجلترا، كما أن هذه التقنية، تم استيرادها إلى المغرب والبلدان الإسلامية، ورأى أول الأطفال المولودين النور بواسطة التخصيب المختبري في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
وقد استهدفت هذه التقنيات في البداية العقم النسائي ثم الحالات الذكورية، التي تعود إلى نقص في الكمية الكلية للحيوانات المنوية أو نقص في حركيتها. وفي سنة 1992 أتاحت تقنية جديدة (ICSI ) تقوم على حقن المني داخل السيتوبلازم وتحقيق إخصاب داخل الأنبوب بحيوان منوي واحد. وقد تمت هذه التقنية في البداية بحيوانات منوية بعد القذف. بعد ذلك تم استعمال تقنية (ICSI ) لدى الرجال الذين يعانون من كون الحيوانات المنوية تغيب في مقذوفاتهم بسبب نقص في إنتاجها أو انسداد في مسار القذف. وتقوم هذه التقنية على أخذ حيوانات منوية مباشرة من العضو المنتج أي الخصية أو من epididyme إذا كان الانسداد يقع بعد الخصية.
عملية تلقيح بويضة بحيوانات منوية
الجوانب الأخلاقية و الدينية للمساعدة على الإنجاب
للاقتراب أكثر من هذا الموضوع، زرنا أحد مراكز المساعدة على الانجاب بمدينة الرباط . وتقول الدكتور بهاء بنعمرو، إن تقنيات الإنجاب المدعوم طبيا استقبلت باهتمام كبير في العالم الإسلامي، غير أنها أثارت قلقا وتساؤلات بخصوص موقف الدين والشريعة تجاه مشروعيتها.
وأضافت أن رجال القانون وعلماء الدين قاموا بتنظيم عدة ندوات أتاحت بلورة فتاوى عديدة، على سبيل المثال فتوى الأزهر سنة 1980، فتوى أكاديمية الفقه الإسلامي بمكة سنة 1984 و 1985، فتوى المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت سنة 1985 وأكاديمية الفقه سنتي 1986 و 1990. هذه الفتاوى تبيح الإنجاب المدعوم طبيا بين الزوجين وبأمشاجهما وتحرم كل ما يتعلق بالمنح ( أمشاج أو مضغ)، كما تحرم إعارة الرحم.
فالإسلام نظام شامل ينظم الجوانب الروحية والمادية لحياة الفرد والجماعة. والشريعة حسب الدكتور بوبكر عميد المعهد الإسلامي لمسجد باريس، هي مجموعة من الواجبات ذات الطابع القانوني، ومصادرها هي: القرآن الكريم، والسنة، وأيضا الاجتهاد، انطلاقا من تطوير فقه يعمم الشريعة على جميع مرافق الحياة العامة والخاصة.
المساعدة الطبية على الإنجاب و الفراغ القانوني
يعيش المغرب في ظل هذه المشاكل فراغا قانونيا كبيرا في مجال التخصيب الاصطناعي، فمنذ سنة 1999 تقدمت الجمعية المغربية للخصوبة للسلطات المختصة بمشروع إطار تنظيم تلك الممارسات( اقتراحات ونصوص قانونية)، سعيا وراء ضمان أحسن تحمل ممكن على المستوى الطبي وتجنبا لكل انحراف، وحتى تجري ممارسات الإنجاب المدعوم طبيا في إطار الاحترام الصارم للشخص البشري ولمصلحة الزوجين. و حتى اليوم لا يوجد بالمغرب قانون بهذا الخصوص ويجد الممارسون أنفسهم في مواجهة مسؤوليات مباشرة وبدون حماية.
وفي سنة 2013 وعند طلب المسؤولين اشتغلت لجنة على مشروع قانون والذي أثار نقاشات واسعة، وبعد إدخال بعض التعديلات عليه، عرض على وزارة الصحة ولازال المختصون ينتظرون إلى حدود الآن.
آمال جديدة :
المحافظة على إمكانية الإنجاب قبل أخذ بعض الأدوية المسببة للعقم
في حالة إصابة المرأة أو الرجل ببعض الأمراض التي يمكن أن تتسبب في العقم كبعض أمراض السرطان التي تصيب الشخص في سن مبكرة وغالبا ما يحصل فيها الشفاء، يمكن تخزين البويضات و الحيوان المنوي في مركز الانجاب لمدة سنوات عديدة، وبذلك يمكن استعمالها عند الرغبة في الإنجاب. وهذا إنجاز مهم جدا في عالم الطب والإنسانية.
بازين يتابع عملية تلقيح الحيوانات المنوية ببويضة