بقلم الحبيب الواعي*
يصدر عن دار النشر بيغ بريدج برس بمدينة تلاهسي بولاية فلوريدا ديوان ” أزهار برية للمتنمرين” للكاتب الأمريكي مايكل روتنبرغ.
بالرغم من أنه ليس هناك شك في أن الشعر الرسمي و المتداول اليوم شعر جيد ويستحق الفوز بالتأكيد بجوائز رسمية فإن القارئ المتتبع يلاحظ أن هذا الشعر الرسمي غالبا ما يختفي وراء أقنعة الصنعة و التصنع، و يكمن الإشكال العويص في نفوره من تناول قضايا اجتماعية وسياسية مثيرة للجدل، و يبقى سجين فتات نغمي رقيق وأساليب زخرفية، ويفشل بذلك في أداء الدور المهم والضروري للشاعر والذي يكمن في نشر الوعي بين أفراد المجتمع.
التصميم و الغلاف من إنجاز الكاتب المصمم يوسف علوي.
كتاب مايكل روتنبرغ “أزهار برية مهداة للمتنمرين” يدرك جيدا قيمة الأساليب الفنية والأعراف التي انبنى عليها الإبداع في كليته غير أن الشاعر رفض أن يتوانى في بحثه الدؤوب عن الحقيقة، و هكذا فروتبرغ يعالج في ديوانه هذا قضايا و إشكالات عويصة يشهدها المجتمع الامريكي بأسلوب مباشر ودقيق. انه يحدد مدى امتداد الخطاب السياسي في الشعر ويحافظ على ذلك دون أن ينزل الى مستوى البساطة البذيئة أو يتراجع عن مبادئه.
في هذا الديون يصرخ روتنبرغ “اللعنة على الشرطة” اثنا عشر مرة أو أكثر في قصيدة كي يعكس مدى معاناته في مجتمع شتتت وحدته مشاكل عدة ترتبط بالأساس بالعنصرية و الفوارق الطبقية و الإستعمال المفرط للسلطة. قصائد روتنبرغ في هذا الديوان تبين عدم قدرته على تحمل ما آل إليه الوضع في أمريكا اليوم حيث الشرطة تخطف أرواح المواطنين السود في كل بقاع البلاد بدون سبب. في هذا الديوان الرائع يمنح روتنبرغ كذلك صوتا لجميع فئات المجتمع الأمريكي من خلال لازمته التي تعيد نفسها من خلال القصيدة، إنه يبين لنا أن الغضب هو السلوك السليم في عالمنا اليوم، علامة سلوك عقلاني في عالم مكلوم، إنه يعلمنا أن الإنكار والصمت سيقتل امالنا لامحالة. بديهي إذن أن لازمة الغاضبة “اللعنة على الشرطة” تشفي غليل الجمع وذلك بمنحها نبرة موسيقية لواقع مؤلم لعالم جديد خارج عن نطاق السيطرة، كما أنه يضخ هواء نقيا في مسام جرح نازف.
هذا الكتاب يأخذ بيد القارئ عابرا به الجحيم من خلال أسلوب ساخر يلائم متطلبات الواقع اليومي حينما يشتد ضغط الكوارث بشتى أشكالها و تصعب لمشاهدة. إن ديوان “أزهار البرية للمتنمرين” من خلال أغاني الاحتجاج هاته أننا كلنا مسئولين، أننا جميعا متواطئين مع الانتهاكات بسبب لامبالاتنا. إن روتنبرغ يعري الواقع من خلال إبداع هادف يمنح الأمل و يزيل وحشية القرن الواحد و العشرين.
*أستاذ و مترجم من المغرب
