د محمد فخرالدين
وسار بني هلال حتى وصلوا إلى الشام،و كان يحكم البلد في ذلك الوقت شيبوب التبعي فلما وصله خبر قدوم بني هلال أدركه الخبال ، و أرسل إليهم يطلب منهم عشر المال أو يستعدوا للحرب و القتال..
أما بني هلال فرفضوا طلب شيبوب و أرسلوا أبا زيد ليأتيهم بالأخبار فتنكر في زي شعراء يمدحون الملوك و خرج إلى الصيد في اليوم التالي، فطلبوا منهم منحهم الخيول حتى يستطيعوا الخروح معه، و طلب أبو زيد جواده الغطاس، و قد قصد بذلك الاطلاع على الخيول وهو حصان تضرب به الأمثال عند الناس ،و لم يستطع أن يركبه إنسان أو يدانيه و لا يأخذ طعامه إلا من سقف البيت خوفا منه ..
و استطاع أبو زيد أن يركب الغطاس بسهولة ويسر، و خرجوا إلى الصيد و القنص ، و لما عادوا ذهب بهم إلى دار الضيافة أما ما كان من أمر ذياب و من معه من الرجال ،فقد صاروا في خوف و احتساب من القتل و العذاب، فجعل أبو زيد يشجعهم و يعدهم بالخلاص من الاعتقال فاطمأنوا بذلك المقال..
ولما اظلم الظلام تسلل أبو زيد حيث سجن ذياب و الرجال، و أخرج من الكيس المغناطيس و ألقاه على القيود و الأطلال، فتساقطت في الحال، فصاح على الأمير ذياب و باقي الفرسان:
ـ هلم فقد نجاكم الله من الأسر و الهوان ..
فنهضوا في الحال وجدوا في قطع الروابي و التلال حتى وصلوا إلى مضارب بني هلال …
أما ما كان من أمر شيبوب فقد جمع جيوشه و خرج يريد قتال بني هلال، و لما تقابل الجيشان برز شيبوب إلى الميدان و طلب القتال و النزال،فبرز إليه أبو زيد و انطبق الفارسان على بعضهما، و أخذا في الحرب و الصدام، و مازالا على هذه الحال و هما في أشد القتال حتى قرب الزوال…
و لما أصبح الصباح استعرت الحرب من جديد وتسربل الفرسان بالحديد، و نزل ذياب الى الميدان ، و كذلك نزل القاضي بدير و غيره من الفرسان ، لكن شيبوب كان ثابت الجنان يقاتل و كأنه من الجان ..
و في الغد التحم الجيشان و داموا عل ذلك إلى الزوال
وفي اليوم الموالي اصطفت الصفوف، و برز الأمير حسن مع السادات و الفرسان ،و قاتل شيبوب قتالا شديدا ،و انطبقا على بعضهما حتى غطاهما النقع والغبار، و لم تعد تدركهما الأبصار، و غافله بطعنه عاجلة فأصابته في رقبته ،فخطفه أنصاره إلى داره من اجل العلاج ..
ودخل أبو زيد المدينة و تنكر في صورة طبيب، و جعل يجول في الأسواق و يقول:
ـ أنا طبيب اشفي الجريح ..
فلما دخل أبو زيد عند شيبوب أجهز عليه ،و تسلل خارجا دون أن يفطن إليه احد ،و كان لشيبوب أخ اسمه الصحصاح،لما علم بالأمر أراد أن ينتقم لأخيه لكن أبا زيد احتال عليه و عجل بموته ..
أما ما كان من أمر حسن و بني هلال فقد هجموا على المدينة و نهبوا ما فيها من المتاع و الأموال، ثم أرسل مناديا ينادي في الأسواق بالأمان لجميع السكان، فتوقف القتال و خرج بنو هلال و أقاموا في الخيام وبلغوا المرام …
ثم أمر الأمير حسن بن سرحان بدق طبل الارتحال والمسير من تلك الأطلال، و في الحال هدمت الخيام والمضارب ، و ركب الفرسان ظهور النجائب ، و ساروا إلى القدس الشريف حيت زاروا الأماكن المقدسة، ثم ساروا إلى غزة و طلب منهم صاحبها السركسي الجزية، فرفضوا ذلك ..
و كانت لهم معه حروب انتهت بأسره من قبل بني هلال و انهزمت عساكره و دخلوا المدينة و غنموا الأموال، و طلب السركسي الامان فعفا عنه الأمير حسن، و أوصاه بمحبة الله و حفظ شرائعه ووصاياه ما دام حيا ،و أن لا يكون لجوجا في الكلام، و لا مدمنا في الشرب و المدام ،بل حافظا لذمام الاحتشام،ومتخلقا بأخلاق الكرام مع الخاص و العام، واقيا نفسه عثار اللسان، لأن صدور الأحرار قبور الأسرار، فمن صان سره ملك أمره و من باح لم ينجح و زاد ندمه..
ثم غادر بنو هلال أرض غزة في طريقهم إلى مصر وتوجهوا نحو العريش، و كان صاحب العريش قويا جبارا مجوسي النار يدعى البردويل يلبس طاقية الإخفاء و يقرا الطلاسم و الأرصاد، و لما سمع بوصول بني هلال شخر و نخر و سب الشمس و القمر و كتب إليهم يطلب عشر المال و النوق و الجمال ..
فكتب البردويل بذلك إلى بني هلال ،لكن بني هلال رفضت ما فيه من الأقوال و أصرت على القتال ،عندها تجهز بردويل لقتال بني هلال، و هيأ الفرسان والرجال و نزل إلى الميدان، فلم يقف في وجهه أحد من الفرسان ،أما أبو زيد فقد خاف عليه الأمير حسن من الموت في الحرب و النزال، و أعطاه قيدا يقيد به نفسه حتى لا يغادر الديار والمضارب و الأطلال ….