مراد اشقندي – ميدلت
من منا لا يتذكر و هو في الفصول الابتدائية قيمة هامش الورقة و القدسية التي كان يمثلها، إذ لا يمكن لأحد هتك حرمته فهو مخصص للمعلم ليحكم على عملك و يوقع فيه عن رضاه من عدمه فهو حيز للنقطة و ملاحظات المعلم، وكان اللون الأحمرهو لون الخط الذي يفصل بين الحيز المسموح و الحيز المحظور في إشارة لحدود يمنع تجاوزها. عشنا مرحلة الإبتدائي على هالة الهامش، و في مراحل أخرى تعلمنا أن للهامش أهمية أخرى بعيدا عن رمزية القدسية و الرعب الذي يصاحبها، إنه الحيز المخصص لتدوين ملاحظاتنا و كل ما يذكره الأستاذ دون أن يعطيه الطابع الرسمي من خلال ملخص الدرس الذي نخصص له مركز الورقة و كثيرا ما يكون محتوى الهامش أكثر أهمية من المحتوى الرئيسي الذي كثيرا ما تذمر منه بعض الأساتذة في إشارة أنهم مضطرون لجعل الرئيسي يبدو على الهامش و الهامش يبدو رئيسيا، لم نفهم مغزى تذمرهم لكن شيء ما كان يجرنا نحو الهامش.
بعدها و جدنا أنفسنا أمام أوراق دون هامش كان ذلك أول ما أثار انتباهي و أنا أفتح أول دفتر لي من الحجم الكبير، تساءلت كيف يعقل أن لا يكون للورقة رغم كبرها هامش، لكن الجواب أتى سريعا في أول لقاء مع الأستاذ الذي فرض علينا تسطير هامش للورقة بمقاييس مضبوطة باللون الأحمر، ابتسمت بسمة خفية بعد اطمئناني بأن شيء لم يتغير فقد عهدنا التخوف من التغيير و لو للأفضل لأن الإنسان عدو ما يجهل، واكتشفت أن الهامش لن يغيب بل عدم إدراجه في الدفتر سببه هو حجم الهامش الذي ترك اختيارا ليناسب صاحب الدفتر فلكل هامشه. أتذكر أني كنت أستمتع و أنا أسطر هامشي عند عودتي للمنزل بمسطرة جديدة و قلم أحمر قل ما أستعمله غير مدرك أن في تسطير الهوامش لذة ، ترسخ في عقولنا مفهوم الهامش ،و بين هامش للتقييم و آخر للتعليم، زاد تعايشنا معه، و أصبح جزء من عملية التعلم بل سيصبح فيما بعد مصطلحا رئيسيا في معجم الحياة.
في المرحلة الجامعية لم تكن الهالة التي تحيط بالأستاذ الجامعي لتجعله ينزل لمستوى تقرير نوع الدفتر أو حتى كيفية التعامل معه ربما في اشارة لأننا أصبحنا قادرين على اختيار دفاترنا و تسطير هوامشنا بالحجم الذي نراه مناسبا. لم أستطع في بداية الأمر أخذ قرار بتغيير حجم الهامش الذي عهدته في مراحل سابقة ، لكن بعد مرور الوقت لم أسطر هامشا، كان الأستاذ يلقي درسه دون أن نستطيع التمييز بين الرئيسي و الهامشي فيه كان أثناء بعض الحصص كل ما يقوله يبدو مهما، و دون أهمية تذكر في حصص أخرى ، فتركت الورقة على حالها و كان ما كتب فيها يحدد هل كتب على الهامش أم لا.
ليس كل الهوامش سواء…. بين هامش سطرناه و هامش سطره القدر تزيد المعاناة و ينعدم النور و الأمل على هوامش تسطر داخل الهوامش، حينما يتعلق الأمر بالمجتمع يختلف معنى الهامش، و تكتب به كل عبارات الألم و المعاناة و الإقصاء ، ليس حيزا للتقييم أو الملاحظات بل رمز لفئة تثقل كاهل المجتمع و قد يتمنى البعض التخلص منها ولو بدون قصد في نظرة شوفينية للإنسانية و قيمها، ليس المؤلم أن يسطر القدر هوامش للحياة فتلك حكمة الخالق، لكن المؤلم هو غياب هذه الحكمة عند من يسطرون هامش داخل هوامش القدر، أن يولد الإنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة أو بمرض مزمن أو فقر مدقع، لا يعني أن يزج به في ذلك الحيز القصي المنسي من المجتمع باعتباره ممن يعيقون التطور أو التقدم، بالعكس قد يكون معيارا لتقييم المجتمع الذي وجب أن يعتني به اعتناء الأم بولدها دون براغماتية تؤمن بالأخذ من أجل العطاء، ليس منا من اختار أن يكون على هامش صفحة الحياة أو بمركزها، لكن قد نختار عبارات نكتبها تجعل الفضاءات مراكز أو هوامش…. وبين عمر يأتي و آخر ينقضي قد يستقطع القدر وقتا من عمرك لتسطير هامش من نوع ما فلا تظن نفسك ممن أخطأهم القدر و جعلهم بالمركز و لنعمل على توسيع الهامش فقد نجد أنفسنا يوما ما على حيز منه.