إيران وإسرائيل.. رسائل نارية في زمن الارتباك الأمريكي

إيران وإسرائيل.. رسائل نارية في زمن الارتباك الأمريكي

- ‎فيسياسة, في الواجهة
268
0

بقلم: نورالدبن بازين

في لحظة إقليمية ودولية مشحونة، يتجدد التوتر العسكري بين إيران وإسرائيل، عبر تبادل للضربات يثير أسئلة أكثر مما يقدّم أجوبة. لكن خلف الدخان والأنقاض، تبدو الحرب وكأنها وسيلة لنقل رسائل متعددة، ليس فقط بين تل أبيب وطهران، بل إلى العواصم العربية والغربية، وخصوصًا واشنطن، حيث الشارع يغلي احتجاجًا على قرارات جديدة تتعلق بالهجرة غير النظامية.

فما الغاية من هذه الضربات في هذا الوقت بالذات؟ وما علاقتها بالمسيرات المغاربية المساندة لفلسطين؟ وهل تُستخدم هذه الحرب كأداة لتصدير الأزمة الداخلية الأمريكية أو الهروب منها؟

أولاً: الشرق الأوسط مجددًا على خط الصراع الرمزي

الهجوم المتبادل بين إسرائيل وإيران في هذا الظرف الحرج لا يمكن فصله عن حاجة الطرفين إلى تعزيز مواقعهم داخليًا:

  • إسرائيل تعاني من أزمة سياسية خانقة، واحتقان شعبي غير مسبوق منذ حرب غزة، ما يجعلها تميل إلى استخدام القوة لاستعادة “هيبة الدولة” في مواجهة محور المقاومة.
  • إيران من جهتها، تمر بظروف اقتصادية صعبة، مع ضغط داخلي بسبب العقوبات، وأزمة شرعية بعد الانتخابات الأخيرة، ما يجعل التصعيد الخارجي وسيلة لصرف الأنظار وتحشيد الداخل.

لكن الملفت في الأمر أن هذا التصعيد يتم في وقت تتصاعد فيه المسيرات المؤيدة لفلسطين في شمال إفريقيا، وخصوصًا في تونس والجزائر، بينما تجمدت المسيرات في مصر نتيجة حسابات أمنية إقليمية. وبالتالي، قد تكون الضربات أيضًا بمثابة “قنبلة دخان” إعلامية لخلط الأوراق، وتهميش الزخم الشعبي المناهض للاحتلال، وتوجيه العناوين الإعلامية نحو “الصراع الإيراني-الإسرائيلي”، لا نحو الجرائم اليومية في غزة.

ثانيًا: أمريكا.. أزمة داخلية تتجاوز الهجرة

ما يحدث في الولايات المتحدة من احتجاجات ضد قرارات الرئيس دونالد ترامب بشأن ترحيل المهاجرين غير النظاميين، يكشف عن أزمة أعمق بكثير: أزمة هوية وطنية، وأزمة انقسام اجتماعي بين تيارين:

  • تيار قومي يميني يرفض الآخر، ويؤيد سياسات الطرد والعنصرية المقنّعة.
  • وتيار تقدمي متعدد الهويات، يرى في أمريكا ملاذًا للهاربين من الحروب والاستبداد.

في هذا السياق، تأتي الضربات في الشرق الأوسط كـ”ستار استراتيجي” لإعادة تركيز النقاش داخل أمريكا نحو “الخطر الإيراني” أو “الإرهاب الإقليمي”، وبالتالي تشتيت الأنظار عن السياسات القمعية تجاه المهاجرين، سواء كانوا من أمريكا اللاتينية أو الشرق الأوسط أو إفريقيا.

بل إن بعض التحليلات ترى أن تجدد الصراع الإقليمي يعطي فرصة لترامب (أو داعميه من اللوبيات اليمينية) لتبرير تشديد الرقابة على الجاليات العربية والإسلامية، وإحياء خطاب “الأمن القومي” الذي طالما استخدم لتبرير القرارات اللاشعبية.

ثالثًا: من التضامن المغاربي إلى التجميد المصري.. من يتحكم في القضية؟

لا يمكن تجاهل رمزية التزامن بين تصعيد إسرائيل وإيران، وتعطّل المسيرة التضامنية مع فلسطين عند حدود مصر. هناك من يرى أن بعض القوى الإقليمية تعمل على احتواء موجة التضامن الشعبي، لما تمثله من تهديد لتوازنات قائمة منذ عقود، ومن دعم ضمني لخيار المقاومة.

في المقابل، فإن الشعوب المغاربية – من الرباط إلى تونس – تثبت مجددًا أن فلسطين ليست مجرد “قضية موسمية”، بل عنوان أساسي لهوية المنطقة. وإذا كان التصعيد العسكري يخدم تل أبيب بإشعال جبهات وهمية، فإن ردّ الشعوب هو تكريس لحقيقة الصراع: صراع ضد احتلال لا ضد طائفة أو نظام.

إن التصعيد بين إيران وإسرائيل، رغم كونه عسكريًا، هو حدث إعلامي وسياسي بامتياز، هدفه تشتيت الانتباه عن الجرائم في غزة، وتهميش الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في أمريكا، وضرب زخم التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية.

في زمن تتكثف فيه المعارك الرمزية أكثر من المعارك الميدانية، يجب أن نسأل: من يربح من خلط الأوراق؟ ومن يخسر من وضوح الصورة؟

الإجابة واضحة: الرابح هو الاحتلال.. والخاسر هو صوت الشعوب.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

انكسار المرآة: إيران بين صدى الزئير وواقع الانهيار

بقلم : عبدالقادر العفسي / المغرب في مسرح الوجود