الأستاذ محمد الدرويش*
بعد سنوات من الانتظار تسربت بشكل غير مؤلوف النسخة الرسمية لمشروع مرسوم رقم 2.23.545 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي ، و في وقت حساس و دقيق تم اختياره بعناية كبيرة و بحسابات قد تكون ضيقة تؤكد ما ذهبنا إليه قبلاً إذ اعتبرنا أن الوزارة ترهن هذا المشروع بمشروع الإصلاح البيداغوجي ، فبين اثنين و اثنين تم الافراج عن المشروع ، الاثنين الماضي المساءلة الشهرية للسيد رئيس الحكومة حول موضوع التعليم العالي و الإثنين بعده الدورة الاستثنائية للمجلس الاعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي لإبداء الرأي حول موضوع ضوابط الدفتر البيداغوجية و مرسوم الشهادات ، و بعيدًا عن أي تأويل أو إصدار أحكام جاهزة ، و بغية المساهمة الموضوعية في النقاش الدائر حول الموضوع ، و من منطلق الاهتمام بقضايا المنظومة بعيدًا عن الطرح النقابي لأن الموضوع سيناقش نقابيًا في الأجهزة المخول لها ذلك محليًا و جهوياً و وطنياً و سيكون محط تقييم موضوعي خلال المؤتمر القادم – قلت بعيدًا عن كل ذلك – و نحن نذكر بأن التعليم العالي المغربي عرف نساؤه و رجاله 4 انظمة اساسية و هذا خامسها :
@ الأول سنة 1959 في شكل مرسوم لكل فئة أستاذ التعليم العالي و أستاذ محاضر و مساعد الكلية .
@ الثاني سنة 1970 و الذي احتفظ بنفس الهيئات .
@ الثالث سنة 1975 و يضم أساتذة التعليم العالي و الأستاذة المحاضرين و الأساتذة المساعدين و المساعدين .
@ الرابع سنة 1997 و يشمل أساتذة التعليم العالي و الأساتذة المؤهلين و أساتذة التعليم العالي المساعدين .
و تم وضع مرحلة انتقالية للأستاذ المساعد و المساعد في طور الانقراض .
و اليوم و نحن نطلع على المشروع المنتظر نسجل الملاحظات التالية و هي في شكل أسئلة نوجهها للمشرع :
أولا ً / ما موجب المادة 26 من المشروع بخصوص الأساتذة المساعدين و
المساعدين من حيث وضعياتهم و التعويضات المخولة لهم ؟ هل لم يستحضر المشرع محضر الاتفاق الذي تم بين النقابة الوطنية للتعليم العالي و قطاعات التعليم العالي و المالية و الوظيفة العمومية الموقع يوم 29 ابريل 2011 و الذي تضمن مادة بمقتضاها ” حل مشكل المساعدين الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا و ذلك بتفريغهم في اطار أستاذ مساعد ثم أستاذ التعليم العالي مساعد ” و بمقتضى ذاك الاتفاق تم إعفاء حملة د.د.ع او السلك الثالث من شرط الحصول على شهادة الدكتوراة و هو ما تم بالفعل و ترجم إلى نص تشريعي ضمن المرسوم كما هو مبين في المادة 33 من المرسوم حسب ما تم تغييره و تتميمه و ما نصت عليه المادة 37 من المرسوم حيث وضع هذان الاطاران في طريق الانقراض ، و ما زلت أتذكر حالتين بجامعة القاضي عياض و حالة بجامعة الحسن الثاني و حالات أخرى سويت جميعها .فلا وجود لأي حالة اليوم لإطار أستاذ مساعد و حتى المساعد و إن وجدت إحدى الحالات و هو أمر مستبعد فإما أن الادارة لم تقم بواجبها في تطبيق مقتضيات الاتفاق و المرسوم و اما أن توظيفات جديدة تمت و هو أمر مستحيل.!!!!؟؟؟؟؟؟
ألهاته الدرجة صارت ذاكرة القطاع الوصي ” مثقوبة ” ؟
ثانيا / نتحدث كثيرًا عن تقاعد كفاءات عالية و نصفها بالخسارة الكبرى ، و في المقابل لم يتم التنصيص في هذا المشروع على إحداث إطار أستاذ فخري كما هو معمول به في مجموعة من الدول المتطور تعليمها العالي و التي تحتفظ باساتذتها حتى يقرروا هم التوقف و الذي غالبا ما يكون لأسباب صحية ، و نضرب مثالاً بعالم اللسانيات الأمريكي نوام تشومسكي الذي فاق سنه 85 سنة و ما زال يحتفظ بمكتبه بالامايتي ( M.I.T) ،
عوض ان نترك مجموعة من الجامعات تقرر إسناد هاته الصفة لبعض اساتذتها و بعض الأساتذة يسندون لأنفسهم هاته الصفة ، و الجهتان معاً تفعل ذلك دون سند قانوني و لا امتيازات تذكر .
فلماذا هذا الجحود ، و لم هاته ” الدراما نبكي ” على تقاعد الكفاءات و نتجاهلها في التشريع .
ثالثا / و نحن نتحدث عن نقص كبير في التأطير للأسباب المعلومة لدى الجميع ، و نتحدث عن جلب كفاءات الخارج و عن جيل جديد من الطلبة الدكاترة الباحثين ، لماذا لم يتم التنصيص على هاته الفئة في إحدى مواد المرسوم حتى يكون ذلك الذكر مؤطراً قانوناً و محفزاً لهم و مشجعاً على العطاء و بذل المجهودات المطلوبة و أكثر دون أن يكون لهم وضع إداري قار و الذي سيحصلون عليه بعد الاستجابة لمقتضيات التوظيف ، و هكذا ستربح المنظومة مرتين .
رابعا / كيف يفسر المشرع انتقال الرقم الاستدلالي للأستاذ الباحث في بداية مشواره من 336 الى 509 أي من نظام 75 إلى نظام 97 بما يحمله الرقم الاستدلالي من تعويضات يساوي كل رقم منها مقداراً مالياً يحتسب في الأجور الشهرية ، و يعتمد في احتساب التقاعد و احتفاظ المشرع بنفس الرقم الاستدلالي و هو ينتقل من نظام 97 الى نظام 2023 أي 509 دون تغيير يذكر .
خامسا / كيف قبل المشرع أن يبدأ الأستاذ الباحث ( 8 سنوات على الاقل بعد الباكالوريا ) بالرقم الاستدلالي 509 و هو نفس الرقم الاستدلالي الذي خوله المشرع للأطباء ( 6 سنوات بعد الباكالوريا ) و يقارب الرقم الاستدلالي الخاص بفئة المهندسين ( 5 سنوات بعد الباكالوريا ) و هؤلاء جميعهم يفترض أنهم طلاب أساتذة التعليم العالي .
سادسا / هل يعتقد المشرع أن البحث عن كفاءات الخارج مدخله الأساس هو النظام الأساسي الذي يسمح لهم باجتياز مباراة الالتحاق بالتعليم العالي في سن أقصاه 55 سنة كما هو مبين في المشروع ، لا نعتقد ذلك ، لأن كفاءات الخارج الحقيقية و العالمة تبحث عن بنيات الاشتغال و البحث العلمي بشروطه و إمكاناته و ظروفه و أوساطه و هي لعمري غير متوفرة في أغلب جامعاتنا المغربية مع كل أسف ، و لنا أمثلة كثيرة نذكر منها مثالًا لواقعة أستاذ باحث مغربي من جامعة انجليزية جاء للمغرب لتنفيذ مقتضيات اتفاقية دولية مع جامعة محمد الخامس بالرباط قبل شهرين من الآن و ظل “يتنقل ” بين شوارع الرباط دون أن يجد مخاطبًا و لا شروط الاشتغال فكتب رسالةً بمثابة قرار الاستقالة من هاته المهمة و عاد أدراجه إلى انجلترا …
و عليه أرجو أن لا ” نبيع الوهم ” لشبابنا و مواطنينا و مسؤولينا ، إذ يجب أولاً توفير كل الظروف المطلوبة و بعدها لننفتح فيكون المستقبل واعدًا للجميع .
سابعا / ألم يكن من المستحب – و نحن نتفاضل بالحديث ايجاباً عن جيل يغادر التعليم العالي بسبب بلوغه سن التقاعد و هو الجيل الذي كان له الفضل الكبير في تكوين و تأطير جيل الشباب الحالي و جيل من سيغادر خلال السنوات القليلة القادمة – ان يقرر المشرع تاريخ المفعول المادي و النظامي بأثر رجعي يبتدئ من سنة 2018 مثلًا أو بعدها أو قبلها بقليل تكريماً لهذا الجيل و اعترافاً له بما قدمه من خدمات جليلة لجامعاتنا في ظروف صعبة ليست كظروف اليوم .
ثامناً / ما هي فلسفة و خلفية أن يساوي المشرع بين الأستاذ المحاضر و الأستاذ المحاضر المؤهل و هما اطاران مستقلان في المهام و عدد ساعات العمل و يميز بينهما في الأرقام الاستدلالية و الأجور ؟
تاسعًا/ في زمن الخصاص المهول في عمليات التأطير و زمن البدء في الإصلاح البيداغوجي المرتقب يلجأ المشرع إلى خصم 4 ساعات أسبوعية من الإطار الأول دون تعويض ذاك الخصاص بالموارد البشرية المطلوبة . فنسبة التأطير بلغت اليوم أكثر من 120 % أي أستاذ لكل 120 طالب و خلال الدخول المقبل ستقارب النسبة 150 % في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح !!!؟؟؟؟
و أخيراً و ليس آخرا ً لا بد من التذكير بأن كل نص تشريعي له روح و فلسفة فالنصوص الاربعة الخاصة بهيئة الاساتذة الباحثين لها فلسفة و روح لمسناها و نحن نشرحها و نفاوض بشأن بعضها خلال السنوات الماضية .
و السؤال المطروح ما هي الفلسفة التي قام عليها مشروع المرسوم المنتظر و كيف هي روحه ؟
لأننا أحسسنا بأنه تجميع لما لا يجمع و حذف ما لم يكن واجبا حذفه و إضافة ما لا يجب إضافته و تلصيق فقرة من هنا و فقرات من هناك ، فكان نص حقيقةً بدون روح و لا فلسفة ، رغم ان الحكومة قدمت فيه مجهودًا مالياً محترماً ، لكن المشرع أغفل فئات أخرى فكان غير منصف لها ، و هو الأمر الذي قد يتسبب في عدم استقرار المنظومة، و عدم الانطلاقة الجيدة للإصلاح المقرر تنزيله شتنبر المقبل دون التوفر على الحد الادنى للامكانات المطلوبة و دون تقديم ضمانات ذلك .
و ختاماً نؤكد أن الكلام الجميل و الجذاب يجب أن يترجم بالأفعال و المواقف و القرارات الأكثر جمالًا و اجتذاباً .
* الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلًا
رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين
أستاذ التعليم العالي الدرجة ج
الرباط في 18 يونيو 2023