بقلم : البراق شادي عبد السلام
نستقبل سنة 2023 بخبر حزين جدا ، عبد الرؤوف يغادرنا إلى دار البقاء بعد عقود طويلة من النضال الفني المتواصل لرسم إبتسامة عفوية على وجوهنا المكفهرة .. السي عبد الرحيم التونسي رجل كوميديا العائلة تخاله في وسط البهرجة التي تهيمن حاليا على المشهد الفني كأنه تحفة نادرة من أزمنة نادرة جدا ،أو هو كذلك… رجل بقيم فنية نادرة جدا ، برسائل إبداعية نادرة جدا ..لا تتكر في زمن ما مرتين ..
يغادرنا عبد الرؤوف بعد أن ترك مئات السكيتشات و المسرحيات و السهرات التلفزيونية يغادرنا إلى الأبد تاركا وراءه إرثا كبيرا من الفن الراقي الجميل عبد الرؤوف قدم لنا بكل عفوية و بكل حب و بكل إحترام نوعا جميلا من الكوميديا التي كانت تجمع كل العائلة و تجتمع عليها العائلة ..
كوميديا غير معقدة هادئة كروحه الجميلة وكأخلاقه الطيبة ،اليوم يغادرنا عبد الرؤوف بعد أن إستعصت البسمة علينا وأصبحت مهمة الكوميدي أشبه بمهمة طبيب أسنان يحاول الإنتصار على ألم ضرس دون إبرة تخدير سواء بكوميديا نشاز فاضحة بلا إبداع أو رسالة إلا البحث عن قهقهات الجمهور توثقها الكاميرات أو كوميديا سوداء هي الواقع بعينه دون مساحيق تجميل ..
عبد الرؤوف جسد بحق دور كوميدي العائلة المغربية التي كانت تجتمع أمام التلفاز أو جهاز التسجيل للإستمتاع بقفشاته و مقالبه و قصصه، في الزمن الأغبر تحولت العائلة إلى مضحكة حقيقية بعد غزو الهواتف لحميميتها وأصبحنا نشاهد مقالب بين – عائلية حيث غدت بعض العائلات و الأسر إلى مواد كوميدية سمجة و إلى مضحكات واقعية بمقالب تافهة بدون سكريبت أو سيناريو أو حوار أو رؤية إخراجية فقط تستخدم قليلا من اللاشيئ و كاميرا الهاتف و قليل من العفوية المدروسة لتصل إلى نتيجة وحيدة هي اللاشيئ يضحك اللاشيئ و الهدف الأسمى هو أموال الآدسنس الغبي و اللايك الزرقاء و الشهرة الزائفة ..
.
عبد الرؤوف صاحب القيمة الفنية الكبيرة و صانع البهجة كان ردنا التلقائي على نمط عيش إتخذ بعدا كوميديا و تحولت الكوميديا إلى جزء من معيشنا اليومي و جزء من حياتنا بعد أن كانت ملاذنا الأخير بعد يوم شاق أو أسبوع به الكثير من المتاعب ..
عبد الرؤوف يغادرنا بعد إن إمتلئت موضة الإضحاك بين الجميع لننتقل إلى زمن اللاكوميديا بمعناها الفني و الثقافي حيث أصبح الجميع كوميديا بائسا والجميع يدعي أنه قادر على إدخال الفرحة و الإبتسامة على الإنسان المغربي بعد أن تحول التهريج إلى وجهة نظر .
بعض السياسيين الفاشلين حاولوا إبتداع نوع من الكوميديا الصفراء المخلوطة بملايين التعويضات و بآداء باهت فوق المنصات و بسياسات فاشلة و خطاب مأزوم ليتحولوا إلى مضحكات أخرى بضحكات غريبة و قهقات غبية في فضاء موازي و تمثلات أغرب من الخيال ..
في عالم الفن تحول البعض إلى مسخرة حقيقية بإبداع ضعيف جدا و قدرات تمثيلية محدودة ليصبح ما يسميه و ما يدعيه أنه تشخيص فني أو تمثيلي في مسلسلات أو أفلام إلى مشاهد سرعان ما تتحول إلى مقاطع كوميدية على مواقع التواصل الإجتماعي بسبب ضعف الآداء أو سطحية المعاني أو حضور باهت للكوميديان لنحاول نحن الجمهور أن نبحث على إبتسامة في تعليقات فايسبوكية لاذعة أو إعادة تحوير المشاهد الجادة إلى مقاطع كوميدية سريعة لما قدمه المخرج كطبق درامي تمثيلي إلى كوميديا حقيقية ..
في زمن كاميرا الهواتف الجاهزة لإلتقاط أي شيئ و كل شيئ في عصر اللامعقول و الوباء و الأغبياء و البؤساء تحول الجميع إلى كوميدي بإسم المقالب والساركازم و الكاميرا الخفية والمسابقات الغبية..
عبد الرحيم التونسي الفنان الجميل الملتزم بقضايا الهامش إستطاع أن يؤسس أسلوبه المتفرد الخاص في الآداء والتشخيص و يطبعه بلمسته الخاصة جدا بطريقة عبقرية نادرة تعفيه من السقوط في النمطية القاتلة فالجميل في شخصية عبد الرؤوف التي إبتدعها عبد الرحمان التونسي و عاش بداخلها لعقود أنه لم يسع إلى تطويرها وإضافة بهارات خاصة بها بل حافظ على مستواها الفكري و عفويتها و براءتها وقدرتها على إضحاك ملايين المغاربة لذا فقد عرف متى يتوقف و متى يحول شخصية عبد الرؤوف إلى أيقونة مغربية و يبقيها ذكرى جميلة جدا تحلق في مخيلتنا ، في كل مرة نصادفها نبتسم رغما عنا إبتسامة نقية نابعة من دواخلنا لأنها تحولت إلى جزء من الذاكرة الشعبية لزمن جميل عشناه بأخلاقه الرفيعة و آدابه الأصيلة و معاملاته النظيفة وقيمه الصادقة .
وداعا السي عبد الرحمان التونسي ..وداعا عبد الرؤوف ..لروحك السلام …
إنا لله و إنا إليه راجعون ..