محمد تكناوي.
يكتسي دور المجالس التعليمية أهمية خاصة في تطوير والارتقاء بالنظام التربوي، باعتبارها الإطار المناسب، لتدارس مختلف القضايا التعليمية والتربوية والتكوينية، و ابداء الرأي الاستشاري و التقريري ، في القرارات الحاسمة التي ترهن مستقبل الأجيال. وتذكي دينامية جديدة في مسار المدرسة العمومية المغربية.
ومواكبة مع ما تشهده بلادنا من اصلاحات، اعتقد انه حان الوقت لفتح ورش، إعادة هيكلة هذه المجالس، ووضع الاليات الضرورية، التي تمكننا من التمفصلات الداخلية , والانصهار في المنظومة بمكونات وبنيات متماسكة ومتناغمة.
فالقانون الإطار 51/17 ، كما يؤكد الباحثون والمهتمون بالشان التعليمي، اثنى على مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بوصفه لا يزال يمثل اطارا مرجعيا للاصلاح، ارتباطا بهذا المنحى، نصت المادة 149 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، على انه” تشكل مجالس المؤسسات إلى جانب الإدارة التربوية، آليات للتاطير والتدبير التربوي والاداري على مستوى كل مؤسسة” وهذه المجالس هي : مجلس التدبير، المجلس التربوي، المجالس التعليمية، ومجالس الأقسام، وحتى تفي هذه الأخيرة بالاغراض التي احدثت من اجلها والمتمتلة خاصة في : ضرورة ملائمة التربية والتكوين مع الحاجيات والظروف الجهوية والمحلية، ودمقرطة الحياة المدرسية، وتيسير الشراكة والتعاون الميداني مع كل الأطراف الفاعلة، وارساء أسس ودعاءم تدبير جديد يعتمد نهج الحكامة الجيدة، لتحسين جودة ومردودية المنظومة التربوية، لذى نرى أنه من الضروري تفعيلها ودعمها. وفي هذا السياق نقترح بعض التصورات التي نرى وان بامكانها تجسيد فعالية تلك المجالس.
من جهة أولى نلاحظ من خلال تشخيص مردودية عمل مختلف تلك المجالس، ان عددها ينعكس بالسلب على اداءها ومردوديتها، حيث نلمس تداخل الاختصاصات وتعدد تمثيليتها وتشتت الجهود، ففي هذا الصدد يبرز بشدة اقتراح تجميع مختلف تلك المجالس، في مجلس واحدة، موسع الاختصاصات والتمثيلية، منفتح على جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، وفعالية المجتمع المدني وممثلي جمعيات الآباء والتلاميذ، بما يجعل منه قوة اقتراحية وتدبيرية فعالة وفضاء تعدديا للحوار وتبادل الآراء، و وجهات النظر حول قضايا التربية والتكوين على صعيد المؤسسة التعليمية.
وهذا يقتضي طبعا إصدار النصوص القانونية و التنظيمية اللازمة لذلك، والتي تلزم جميع المؤسسات باحداث هذا المجلس، خاصة وأن الإطار الاستراتيجي لتنمية النظام التربوي، ادرج ذلك في صلب العمليات والاجراءات المهمة، حيث جعله من بين الأهداف الكبرى في مجال التدبير الإداري ، بنصه على تعميم هيكلة مختلف المجالس وتفعيلها، وهذه العملية تكتسي أهمية قصوى في تسريع وتيرة بلورة نهج اللامركزية واللاتمركز، واذكاء دينامية جديدة في مسار المرفق التربوي.
وفي هذا الإطار تبرز أهمية وراهنية تطوير نمط جديد لتدبير المؤسسات التعليمية يرتكز على الشفافية والمسؤولية والحس الوطني والتطوع والعقلنة والترشيد والجودة والانفتاح، والشراكة والتواصل والاصغاء، والتنسيق والتعاون والتكافل والتضامن والتناغم والاجتهاد والمبادرة والابداع.
ويقتضي انجاز مختلف هذه الإصلاحات انخراط ومشاركة ومساهمة كافة الفاعلين المباشرين وغير المباشرين ، في المنظومة التربوية، وقد لا يتاتى ذلك دون تواصل واسع متنوع وفعال بين هؤلاء الفاعلين. وهذا يتطلب تطوير التواصل الداخلي و الخارجي مع مختلف الشركاء من أجل مشاركتهم الكاملة في القيام بالاصلاحات التربوية المتضمنة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفي القانون الإطار 51 17، خاصة المجال 17 منه.
إن تجميع مجالس مؤسسات التربية والتعليم في مجلس واحد موحد، وموسع وتمكينه من الوسائل البشرية والمالية والمادية مع دعمه بالاطار القانوني واللازم لمن شأنه أن يدعم دوره كقوة اقتراحية فاعلة في تجسيد اهداف الإصلاح التربوي، وانه سيكون لا محالة أقرب من اي جهاز اخر الى حقيقة وطبيعة المشاكل التعليمية، وهو ما يقوي دورها الاقتراحي والاستشاري، وهو ما من شأنه أن يسهم في تعزيز اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية الوطنية.
و ارتباطا بموضوع المجالس التعليمية والتي يسميها البعض ايضا مجالس المؤسسة، اود الإشارة إلى التغيير الذي عرفته هيكلة المجلس الاعلى للتعليم، وانعكاسها الإيجابي على إختصاصاته، وشخصيا اعتبره دافعا لتفعيل وإعادة هيكلة مجالس مؤسسات التربية والتعليم العمومي.
ذلك ان الدستور الحالي للمملكة المغربية “2011” اعتبر في الفصل 168 ان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي هو في مقدمة هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية ذات الطابع الاستشاري، مهمتها ابداء الرأي حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها. كما انيطت به مهمة المساهمة في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال. وطبعا هذا الفصل هو تعديل للفصل 32 من دستور 1996، حيث تم توسيع مجال اشتغاله، ولم يعد مقتصرا على الحقل التعليمي،بل تجاوزه الى مجالات أخرى تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وهو ما جعل هذه المؤسسة الدستورية مؤهلة للعمل في نطاق أوسع ، واعم واشمل، وهو ما سيؤهله الى انجاز التقارير التقييمية، ورسم معالم الاصلاح المناسب للدفع بخيار اللامركزية واللاتمركز الى الأمام للتجسيد الحقيقي والتقويم لسياسة القرب.
,