فيلم “أصحاب ولا أعز” ودلالات بلاغة خلخلة افق انتظار المتلقي …

فيلم “أصحاب ولا أعز” ودلالات بلاغة خلخلة افق انتظار المتلقي …

- ‎فيرأي, فن و ثقافة
247
التعليقات على فيلم “أصحاب ولا أعز” ودلالات بلاغة خلخلة افق انتظار المتلقي … مغلقة

 

..محمد دخاي

خلفت القراءات المتعددة المبنية على تعدد التلقي النقدي والفكري لفيلم “أصحاب ولا أعز” نقاشا كبيرا امتد الى قضايا خارج الابداعية الفنية المرتبطة بهيمنة الوظيفية التخيلية التي تشتغل على خطاب السينما ، مما افرز قراءات مغرضة ومؤدلجة خارج السياق عرضت الفيلم للتنقيص المجاني وفي تبخيس واضح للخطاب السينمائي في سعيه لبناء انساق فكرية و تواصلية بغاية التأثير و الإمتاع، وشد المشاهد من اجل الانخراط الايجابي في اي عمل ابداعي لطرح جملة من الأفكار و القضايا والقناعات.
“أصحاب ولا أعز” وخلخلة افق انتظار المتلقي ….
التلقي النقدي لفيلم “أصحاب ولا أعز” المعروض على منصة نتفليكس لا يخرج عن كونه احدى التجارب الابداعية الثقافية والفنية التي جمعت ما بين المتخيل و مساحات الواقع العادي من خلال بناء حكي سردي بوصفه نمطا من انماط الخطاب يحاول ان يقنع المتلقي من خلال اقحامه في زاوية الانخراط الضمني لمعايشة الاحداث مع مجموعة من الأصدقاء (ثلاثة أزواج وزوجاتهم، وصديق لهم يدعى ربيع) يجتمعون على العشاء مع متابعة ظاهرة كونية ترتبط بالخسوف لكن صدمة المتلقي ستكبر اكثر عندما يقررون لعب لعبة مثيرة بأن يتركوا جميعاً هواتفهم على مائدة الطعام ويردون على الرسائل والمكالمات التي يتلقونها أمام الجميع دون محاولة لإخفاء أي أسرار عن المتواجدين…..
دلالات الخسوف ليس مرتبطة فقط بواقع متابعتها فقط كظاهرة كونية انها احالة على خسوف البشر من خلال انفضاح امور خاصة اصبحت مرتبطة بواقع الهواتف التي شغلت الدنيا وملات الناس وتحولت الى علبة سوداء ، مما خلق نوعا من اللاتوازن وعدم التكافؤ في معايير التواصل داخل العائلات وهو ما عمل الفيلم على مناقشته عبر رؤية ابداعية يتداخل فيها نمطين من الخطاب ؛ الخطاب التداولي الحجاجي والخطاب التخييلي….
لقد نجح الفيلم الذي يدور في زمان ومكان مغلقين من بدايته الى نهايته في زعزعة افق انتظار المتلقي من خلال اقحامه في اللعبة بشكل مغاير مما يجعله يبحث عن مخرج لزوج مريم (منى زكي)، تلك الاسرة المصرية التي تعيش في لبنان وتعيش مفارقة غريبة باعتبارها اسرة مسلمة وجدت نفسها تنخرط في لعبة اجتماعية جديدة خارج الضوابط الدينية المبنية على ثنائية الحلال والحرام ، وهو ما تبرزه مشاهد لجوء مريم (منى زكي)، الى شرب الخمر في بداية الامر بشكل سري قبل ان تنخرط في تكسير قواعد اللعبة عندما ستجد نفسها في موقف صعب عندما يطلب زوجها شريف (إياد نصار) من ربيع (فؤاد يمين) استبدال هواتفهما المتشابهة لكي يهرب شريف من مشكلة مع زوجته، وهو الذي كان ينتظر صديقته لكي ترسل له صوراً عارية، ويُفلت شريف من المشكلة ويتورط في مشكلة أكبر، عندما يتلقى رسائل على هاتف ربيع يتضح منها ميوله -ربيع- الجنسية الشاذة، فتُصدم مريم (منى زكي) زوجة شريف، وتتشاجر مع زوجها وتُفصح أمام الجميع عن أسرار حياتهما الجنسية وما يعتريها من فتور وكيف لشخص لا يقربها منذ سنة تقريبا ، ان تكون له علاقة شاذة خارج الضوابط وهو ما يحرك اللاشعور الديني عند مريم(منى زكي)، القائم على تحريم المثلية الجنسية ورفضها رفضا قاطعا ، قبل ان تعود الامور الى مجاريها بعد اكتشاف المقلب في نهاية الفيلم ، وفي مواقف وجد فيها المشاهد نفسه يتعاطف مع شريف (إياد نصار) اكثر من الشاذ الحقيقي ربيع (فؤاد يمين)..
“أصحاب ولا أعز” ….. كل القراءات ممكنة
لقد سقطت اغلب القراءات التي تناولت الفيلم في فخ احكام القيمة بعد ان قاربت الفيلم من بوابة مرجعيات اخلاقية واخضعت الممثلين وخاصة الفنانة (منى زكي)، الى محاكمة اخلاقية بدعوى التعري المجاني في الفيلم وكما يرى الناقد محمد شريف بانها كانت من الفنانات اللاتي رفعن شعار “السينما النظيفة” قبل أكثر من 20 عاماً، وكسبت جمهوراً عريضاً من أصحاب الفكر المحافظ، ها هي تخذل هذا الجمهور وتتخلى عنه، وتصدمه وتُشعره بأنها خدعته ، علما ان الفيلم نجح من خلال السيناريو في بناء الصور السردية كصيغ خطابية وان التقاطها من طرف المخرج جاء متماهيا مع الحوار وهو مالم يشعر معه المتلقي بالملل وهو يدور في مكان واحد ، لطرح ثيمة الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية في سياق حجاجي يتقاطع فيه التداولي بالمتخيل سواء كان غربيا بحكم ان الفيلم أصحاب ولا أعز” مقتبس من فيلم إيطالي ينتمي الى ما يسمى بالدراما الكلاسيكية الكاشفة يحمل اسم “PERFETTI SCONOSCIUTI”، او عربيا وهو ما تم رفضه من طرف بعض القراءات بدعوى انه لا يعكس الثقافات الشرقية المبنية على ما يسميه محمد النويري في كتابه (البلاغة وثقافة الفحولة ) بالحذق وجودة السياسة والحزم الرفيق والتلاحم والتكافل والسيادة والفحولة والشهامة والقوة والمكابدة والشوق والذ كورة وكأنها ثقافات لا تعرف شيئا اسمه الخيانة الزوجية او المثلية الجنسية …..
“أصحاب ولا أعز” .. مابين التخييلي والتداولي
لقد نجح الفيلم فيما يشبه السخرية باعتبارها مفارقة استرجاعية في طرح قضايا تدخل في اطار المسكوت عنه ، بغاية البحث عن الياتها ورؤيتها القائمة على الفضح والخروج من الالتباس الذي يحيط بها من اجل تحويل قضايا متعددة خلفت نقاشا فكريا عبر الابداعية السينمائية تثير الخيال العام وتحقق ما يسميه (رولان بارت) باللذة الفنية وفي اطار رؤية فنية تعيد طرح اسئلة ترتبط بإمكانية النظر اليها من زوايا متعددة ومختلفة بل وصادمة لا تخرج عن التصورات المعاصرة المرتبطة بتغير القيم وتحولات تكنولوجيا الاتصال وما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي عبر العالم ، لأنها أضحت جزءا من الواقع المعيش، نجحت فيه الصورة السينمائية في شد المتفرج الى تواصل وجداني معها لما لها من قيمة جمالية كما يرى( ادكار موران) لأنها تجمع ما بين قيمتي المعرفة المنطقية والمشاركة الذاتية ، استطاع من خلالها مخرج الفيلم وسام سمايرة في التأسيس لترجمة فنية لدهشة الفكر، لا تحددها رؤية جمالية ثابتة ولكن عبر رؤى تنطلق من سياقات تدفع المتلقي الى طرح العديد من الاسئلة التي تعمد الى تغيير نظرتنا للحياة وإعادة اكتشاف ما يبدو غير عادي وبجميع انزياحاته الاجتماعية والثقافية وخاصة قضايا الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية .
باحث اكاديمي في التواصل وتحليل الخطاب

يمكنك ايضا ان تقرأ

مشروع القطار السريع بين مراكش وأكادير: خطوة جديدة عبر دراسة التربة بجنان أبريكة

نورالدين بازين شهدت منطقة سيدي غانم بمراكش، صباح