هيئة التحرير
تعيش عدد من أحياء المدينة القديمة بمراكش—من القزادرية والملاح وعرصة المعاش والملاح إلى باب أغمات ودرب ضباشي—على وقع فوضى عمرانية غير مسبوقة، بعدما تحوّل البناء العشوائي إلى ورش مفتوح يغيّر ملامح المدينة التاريخية ويشكّل تهديداً مباشراً لسلامة السكان وللهوية المعمارية التي تميز مراكش منذ قرون.
ففي الوقت الذي يُفترض أن تبقى البنايات داخل الأسوار منسجمة مع الطابع التراثي الذي صنّفته اليونسكو تراثاً عالمياً، تفاجأ الساكنة يومياً بظهور طوابق إسمنتية وحديدية تُشَيَّد ليلاً وبسرعة، حتى باتت بعض المنازل القديمة ترتفع بشكل لافت أشبه بـ “ناطحات سحاب صغيرة” وسط أزقة ضيقة لم تُصمَّم لتحمّل هذا النوع من الضغط العمراني.
وتشير شهادات سكان من الملاح ودرب ضباشي إلى أن أشغال البناء تتم في كثير من الأحيان خارج الضوابط القانونية، وفي غياب مراقبة حقيقية من السلطات المختصة، ما يحوّل الأحياء التاريخية إلى فضاء هشّ يهدد بالانهيار في أي لحظة. كما أضحى هذا الوضع ينعكس سلباً على الحياة اليومية للسكان، سواء بسبب الضجيج، أو رمي الردم في الأزقة، أو التعدّي على الملك العمومي.
وفي القزادرية وباب أغمات، تتزايد الأصوات المطالبة بتدخل عاجل لوقف هذا النزيف المعماري، خصوصاً أن الطابع التقليدي للمدينة القديمة لا يحتمل الارتفاعات المفرطة ولا المواد الإسمنتية الثقيلة، مما يشكّل خطراً على البنية التاريخية التي تعتمد على الجدران الطينية والأساسات الضعيفة.
ويرى مهتمون بالتراث أن استمرار هذا الوضع يهدد بفقدان مراكش لأحد أهم عناصر هويتها، مشددين على ضرورة فرض احترام القوانين التنظيمية، وإعادة تفعيل دور اللجان التقنية، وتوقيف الورشات غير المرخصة، مع وضع خطة واضحة لترميم وحماية الأحياء التاريخية.
للإشارة البناء العشوائي في المدينة القديمة ليس مجرد مخالفة عمرانية، بل هو تهديد مباشر لروح مراكش، مدينة لها تاريخ عريق يجعل كل حجر فيها جزءاً من الذاكرة الجماعية. فهل تتحرك الجهات المعنية لوقف هذه الفوضى قبل فوات الأوان؟
