طارق أعراب
يعيش المغرب خلال السنوات الأخيرة على وقع أزمات مناخية متكررة، أبرزها موجات الحرارة المفرطة المتزايدة، التي باتت تهدد بشكل مباشر الموارد المائية في البلاد، سواء السطحية منها أو الجوفية. هذه الوضعية المقلقة تأتي في وقت يعاني فيه المغرب أصلًا من قلة التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف، مما يجعل الحفاظ على كل قطرة ماء أولوية وطنية مستعجلة.
تشير تقارير خبراء في مجالي الماء والبيئة إلى أن درجات الحرارة المرتفعة التي تسجلها معظم مناطق المغرب كل سنة، وخصوصًا في فصل الصيف، تؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من المياه بسبب التبخر. أكثر المتضررين من هذه الظاهرة هي السدود، حيث تتعرض المسطحات المائية المكشوفة للتبخر المستمر، ما يؤدي إلى انخفاض كبير في منسوب المياه التي تم تجميعها خلال فترات تساقط الأمطار، خصوصًا تلك التي كانت تسجل في شهري مارس وأبريل.
ولا يقتصر الخطر على المياه السطحية، بل يمتد أيضًا إلى المياه الجوفية، التي تعاني بدورها من الاستنزاف المفرط والتبخر البطيء، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة. هذا الوضع يجعل المغرب عرضة لتهديد مائي مستمر ومتزايد، ينعكس على الفلاحة، الصناعة، وحياة المواطنين اليومية.
في الوقت الذي تعتمد فيه عدد من الدول المتقدمة استراتيجيات واضحة للحد من تبخر المياه، لا يزال المغرب يفتقر إلى رؤية وطنية فعالة في هذا المجال. وتجدر الإشارة إلى أن دولة مثل أستراليا تُعد من بين النماذج الناجحة في تدبير الموارد المائية، حيث استثمرت في البحث العلمي، واعتمدت تقنيات متطورة لتقليص التبخر، من بينها تغطية خزانات المياه، وتحسين نظم التخزين، والتسيير الذكي لمواردها المائية، مما مكنها من مواجهة فترات الجفاف الحاد بكفاءة عالية.
أزمة التبخر ليست فقط نتيجة لموجات الحرارة، بل هي أيضًا انعكاس لغياب سياسات فعالة وتدبير مستدام للمياه. وإذا لم يتحرك المغرب بسرعة، فإن السنوات المقبلة قد تعرف أزمة مائية غير مسبوقة. إن الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة وتطوير نموذج مغربي خاص، يمثل السبيل الوحيد لضمان الأمن المائي للبلاد في ظل تحديات التغير المناخي.
