اعتماد سلام تكتب عن الحوز كما وجدته بعد 6 أشهر على الزلزال

اعتماد سلام تكتب عن الحوز كما وجدته بعد 6 أشهر على الزلزال

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
348
6

اعتماد سلام 

في الطريق نحو قرية إد عيسى، بدت لي قمم جبال الأطلس القريبة البعيدة مغطاة بالثلوج.. لعلها الأولى هذا الموسم!

وصلنا القرية سالكين طريقا جبلية ملتوية وضيقة تناثرت على جنباتها الصخور والأحجار، والدواوير والخيام أيضا.

في وسط القرية تخاتلك الجبال مجددا، يبدو جبل توبقال على مرمى خطوات لكن عندما تسأل السكان يخبرونك بأنك على بعد مسافة ثماني ساعات على الأقل من الوصول إليه. في هذه القرية لم تتساقط الثلوج هذا العام كعادتها، “ربما رأفت بحالنا” يقول حسن أحد السكان الذي أخبرني أن سمك الثلج يتجاوز المتر في الدروب والأزقة الفاصلة بين منازل تقع أغلبها في الجبل وبعضها في سفحه، وقد جربت أن أنزل إلى أقصى السفح حيث كان لدينا موعد مع شباب جمعية إد عيسى للتنمية، كما عدت وصعدت قمة الجبل وصولا إلى بيت أحد الشباب الذي أصر على أن نتشارك وجبة فطور بلدي لذيذ، ولا أخفيكم أن التعب نال مني مناله نزولا وصعودا.


هؤلاء الشباب، جواد وعبد الله وحسن وآخرون.. يقومون بإمكانياتهم البسيطة وطموحهم الكبير، بأنشطة ثقافية ورياضية وتنموية لفائدة القرية ويحاولون بما تيسر لهم التخفيف من تداعيات تأثير الزلزال على السكان.
في المساءات تصل درجة الحرارة هنا إلى عشرة تحت الصفر بحسب السكان، وفي العاشرة صباحا وتحت الشمس بالكاد وصلت إلى خمس درجات كما ظهر لي عبر شاشة السيارة. الأطفال الذين يلعبون في الخارج بحماس يرتدون ملابس قليلة، وجلهم لا يلبس جوارب وتبدو قدماه شديدة الاحمرار في أحذية بلاستيكية.


منازل هذا الدوار أغلبها تضررت بشكل جزئي فقط، وبعضها لم يلحق به ضرر. رأيت عددا من المنازل قيد إعادة البناء، وأخبرني شباب الجمعية أن بعض المواطنين ممن يستطيعون لم ينتظروا دعم الحكومة وبدأوا بترميم منازلهم أو إعادة بنائها اعتمادا على مواردهم الخاصة.

في إمي نتالا، هذه القرية التي اختفت تماما بعد انهيار جميع منازلها ومات أربعة وثمانون من سكانها ليلة الزلزال، لاشيء تغير عن آخر مرة كنت فيها، باستثناء تمكين السكان الذين تركتهم في الخيم قبل ستة أشهر من وحدات سكنية متنقلة.

ركام المنازل المنهارة لم تتم إزالته بعد، وكل شيء في مكانه كما لو أن الهزة وقعت الليلة الماضية فقط.. أخبرني حمزة وهو فاعل جمعوي من سكان الدوار أن ذلك راجع لكون هذه المنطقة الجبلية لم تعد صالحة للسكن والسلطات تبحث مسألة تخصيص رقعة منبسطة قريبة لإعادة بناء منازل المتضررين. في هذه القرية لمست كما في المرة الماضية، معاناة نفسية كبيرة، خصوصا لدى النساء.. من بينهن نادية التي فقدت طفلين جراء الزلزال وخلال حديثنا كانت تجيبني في الغالب بدموعها.

ستة أشهر مرت على الزلزال المدمر، نصف عام.. مدة قد تكون قصيرة في عمر إعادة البناء والتعمير لكنها طويلة جدا بالنسبة لمن عاشوها وظلوا خلالها في الشارع دون بيت يأويهم ودون إحساس بالاستقرار أو الدفء الذي توفره “ربعات لحيوط كيف ما كانت” كما قالت لي في أمزميز، لالة فاظمة، هذه المرأة الدافئة أيضا والقانعة والتي خضبت يديها بحناء نضرة.. مدتهما وقالت لي “شوية الحنينة وإن شاء الله ربي يحن علينا”.


بعض الأسر بدأت تستعيد نغمة الحياة رغم الصعوبات الجمة، وبعضها الآخر لازال أسير الذكرى الأليمة، لكن جميع الأسر منشغلة بالدعم، سواء الشهري أو ذلك المخصص لإعادة بناء المنازل المنهارة. بعضها استفاد وبعضها لم يستفد، بعضها استفاد من الدعم الشهري وينتظر الدفعة الأولى ليستهل رحلة إعادة بناء منزله، وبعضهم لم يستفد نهائيا رغم تضرره أو صُرف له الدعم خلال الشهر الأول ثم توقف فجأة. سمعت الكثير من الشكايات بخصوص المساعدة المقدمة للمتضررين ورأيت طوابير وفوضى أمام وكالات ووحدات بنكية متنقلة رغم وجود السلطات وسهرها على تنظيم العملية وتيسيرها. وكثير ممن التقيتهم قالوا إنهم قدموا شكاية حول عدم استفادتهم لكن دون جواب حتى الآن..


في ثلاث نيعقوب، لاحظت أن أشغال إزاحة الركام والأنقاض كانت سريعة جدا، أحياء كاملة دمرها الزلزال أصبحت عبارة عن مساحة جرداء، لكن لم أر أثرا لأشغال بناء. على عكس مناطق أخرى، انطلقت فيها عملية بناء مساجد أو مؤسسات أو منازل رغم أن بعض السكان ومنهم عمر قال إنه استنفذ الدفعة الأولى من المساعدة المخصصة للبناء، وفي انتظار صرف الدفعة الثانية فإن أشغال البناء متوقفة. وهناك سكان آخرون لديهم اعتراض على المساحة التي تم تحديدها للبناء والتي لا تتجاوز سبعين مترا، بالنسبة لهم هذه المساحة غير كافية لأسرة تعيش في العالم القروي وتعتمد في اقتصادها ومعيشتها على تربية الماشية والفلاحة.
بالقرب من ثلاث نيعقوب، فاجأني تقدم الأشغال بشكل كبير في مسجد تنمل التاريخي، العمل متواصل على قدم وساق لإعادة بناء المسجد الذي بدأت ملامحه تظهر مجددا بعدما حول الزلزال أجزاء عديدة منه إلى كومة تراب.

في الطريق نحو قرية إد عيسى، بدت لي قمم جبال الأطلس القريبة البعيدة مغطاة بالثلوج.. لعلها الأولى هذا الموسم!
وصلنا القرية سالكين طريقا جبلية ملتوية وضيقة تناثرت على جنباتها الصخور والأحجار، والدواوير والخيام أيضا.

في وسط القرية تخاتلك الجبال مجددا، يبدو جبل توبقال على مرمى خطوات لكن عندما تسأل السكان يخبرونك بأنك على بعد مسافة ثماني ساعات على الأقل من الوصول إليه. في هذه القرية لم تتساقط الثلوج هذا العام كعادتها، “ربما رأفت بحالنا” يقول حسن أحد السكان الذي أخبرني أن سمك الثلج يتجاوز المتر في الدروب والأزقة الفاصلة بين منازل تقع أغلبها في الجبل وبعضها في سفحه، وقد جربت أن أنزل إلى أقصى السفح حيث كان لدينا موعد مع شباب جمعية إد عيسى للتنمية، كما عدت وصعدت قمة الجبل وصولا إلى بيت أحد الشباب الذي أصر على أن نتشارك وجبة فطور بلدي لذيذ، ولا أخفيكم أن التعب نال مني مناله نزولا وصعودا.

هؤلاء الشباب، جواد وعبد الله وحسن وآخرون.. يقومون بإمكانياتهم البسيطة وطموحهم الكبير، بأنشطة ثقافية ورياضية وتنموية لفائدة القرية ويحاولون بما تيسر لهم التخفيف من تداعيات تأثير الزلزال على السكان.
في المساءات تصل درجة الحرارة هنا إلى عشرة تحت الصفر بحسب السكان، وفي العاشرة صباحا وتحت الشمس بالكاد وصلت إلى خمس درجات كما ظهر لي عبر شاشة السيارة. الأطفال الذين يلعبون في الخارج بحماس يرتدون ملابس قليلة، وجلهم لا يلبس جوارب وتبدو قدماه شديدة الاحمرار في أحذية بلاستيكية.


منازل هذا الدوار أغلبها تضررت بشكل جزئي فقط، وبعضها لم يلحق به ضرر. رأيت عددا من المنازل قيد إعادة البناء، وأخبرني شباب الجمعية أن بعض المواطنين ممن يستطيعون لم ينتظروا دعم الحكومة وبدأوا بترميم منازلهم أو إعادة بنائها اعتمادا على مواردهم الخاصة.

في إمي نتالا، هذه القرية التي اختفت تماما بعد انهيار جميع منازلها ومات أربعة وثمانون من سكانها ليلة الزلزال، لاشيء تغير عن آخر مرة كنت فيها، باستثناء تمكين السكان الذين تركتهم في الخيم قبل ستة أشهر من وحدات سكنية متنقلة. ركام المنازل المنهارة لم تتم إزالته بعد، وكل شيء في مكانه كما لو أن الهزة وقعت الليلة الماضية فقط.. أخبرني حمزة وهو فاعل جمعوي من سكان الدوار أن ذلك راجع لكون هذه المنطقة الجبلية لم تعد صالحة للسكن والسلطات تبحث مسألة تخصيص رقعة منبسطة قريبة لإعادة بناء منازل المتضررين. في هذه القرية لمست كما في المرة الماضية، معاناة نفسية كبيرة، خصوصا لدى النساء.. من بينهن نادية التي فقدت طفلين جراء الزلزال وخلال حديثنا كانت تجيبني في الغالب بدموعها.

ستة أشهر مرت على الزلزال المدمر، نصف عام.. مدة قد تكون قصيرة في عمر إعادة البناء والتعمير لكنها طويلة جدا بالنسبة لمن عاشوها وظلوا خلالها في الشارع دون بيت يأويهم ودون إحساس بالاستقرار أو الدفء الذي توفره “ربعات لحيوط كيف ما كانت” كما قالت لي في أمزميز، لالة فاظمة، هذه المرأة الدافئة أيضا والقانعة والتي خضبت يديها بحناء نضرة.. مدتهما وقالت لي “شوية الحنينة وإن شاء الله ربي يحن علينا”.

بعض الأسر بدأت تستعيد نغمة الحياة رغم الصعوبات الجمة، وبعضها الآخر لازال أسير الذكرى الأليمة، لكن جميع الأسر منشغلة بالدعم، سواء الشهري أو ذلك المخصص لإعادة بناء المنازل المنهارة. بعضها استفاد وبعضها لم يستفد، بعضها استفاد من الدعم الشهري وينتظر الدفعة الأولى ليستهل رحلة إعادة بناء منزله، وبعضهم لم يستفد نهائيا رغم تضرره أو صُرف له الدعم خلال الشهر الأول ثم توقف فجأة. سمعت الكثير من الشكايات بخصوص المساعدة المقدمة للمتضررين ورأيت طوابير وفوضى أمام وكالات ووحدات بنكية متنقلة رغم وجود السلطات وسهرها على تنظيم العملية وتيسيرها. وكثير ممن التقيتهم قالوا إنهم قدموا شكاية حول عدم استفادتهم لكن دون جواب حتى الآن..

في ثلاث نيعقوب، لاحظت أن أشغال إزاحة الركام والأنقاض كانت سريعة جدا، أحياء كاملة دمرها الزلزال أصبحت عبارة عن مساحة جرداء، لكن لم أر أثرا لأشغال بناء. على عكس مناطق أخرى، انطلقت فيها عملية بناء مساجد أو مؤسسات أو منازل رغم أن بعض السكان ومنهم عمر قال إنه استنفذ الدفعة الأولى من المساعدة المخصصة للبناء، وفي انتظار صرف الدفعة الثانية فإن أشغال البناء متوقفة. وهناك سكان آخرون لديهم اعتراض على المساحة التي تم تحديدها للبناء والتي لا تتجاوز سبعين مترا، بالنسبة لهم هذه المساحة غير كافية لأسرة تعيش في العالم القروي وتعتمد في اقتصادها ومعيشتها على تربية الماشية والفلاحة.

بالقرب من ثلاث نيعقوب، فاجأني تقدم الأشغال بشكل كبير في مسجد تنمل التاريخي، العمل متواصل على قدم وساق لإعادة بناء المسجد الذي بدأت ملامحه تظهر مجددا بعدما حول الزلزال أجزاء عديدة منه إلى كومة تراب.

انتهت مهمتي الصحفية ضمن فريق ميدي آن في إقليم الحوز بمناسبة مرور ستة أشهر على الزلزال المدمر. عدت وأحضرت معي مجموعة من الوجوه والأسماء والمشاعر تجاه أناس عندما تبادلت معهم التحية بادلوني بأحسن منها، وعندما جالستهم واستمعت إليهم، تعلمت منهم..


يبتسمون وبهم ألم، يحمدون الله وهم لا يملكون على الأرجح قوت يومهم، ويظهرون ذلك الكرم المغربي الذي لا يتأثر بظرف أو زلزال أو فاجعة، لأن النفوس غنية وقانعة والقلوب كريمة وسخية.
أتذكر هم جميعا..
وأتذكر ما قاله لي العم عمر في إغيل مركز الزلزال: “ياك كيحاربو الهجرة إلى المدينة، إيوا إذا بغاو تبقى هاذ البادية عامرة خاصهم يردو لينا البال شوية”، ورد عليه صديقه العم علي بحكمة من تجاوز منتصف السبعين بالقول “الاستقرار هو أهم شيء و إذا ما كاينش الاستقرار ما كايناش الراحة”.
أسأل الله لهم جميعا الراحة والاستقرار والحياة الجميلة في هذه الأيام المباركات.
ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. البناء العشوائي بمراكش. درب الصندوق البالي رياض الموخى التابع لمقاطعة الباهية وعلى عينيك ابن عدي..

عدسة: ف. الطرومبتي