امتياز آخر إضافي لفائدة البرلمانيين!

امتياز آخر إضافي لفائدة البرلمانيين!

- ‎فيرأي, في الواجهة
593
6

 

      يبدو أن القيادي البارز في حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي بات من أكثر رجال “السياسة” كرما تجاه أعضاء مجلسه الموقر من نواب الأمة. فهو لا يبخل عليهم بالامتيازات كلما حظي بشرف انتخابه على رأس هذه المؤسسة الوطنية ذات الأهمية البالغة، من حيث ممارسة السلطة التشريعية، التصويت على القوانين بما فيها قانون المالية، مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، حسب ما هو منصوص عليه في دستور 2011.

      ذلك أنه في خضم الغليان الشعبي المتواصل الذي يعيش على إيقاعه المجتمع المغربي خلال الشهور الأخيرة، بفعل مسلسل غلاء الأسعار الفاحش الذي أنهك القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، جراء الارتفاع المتزايد لأسعار المحروقات وما ترتب عنه من زيادات صاروخية متوالية في باقي المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، أبى رئيس مجلس النواب إلا أن يشفق لحال السيدات والسادة البرلمانيين ويخفف عنهم عبء مصاريف التنقل إلى مقر البرلمان، من خلال التبرع عليهم بما تيسر من “لترات الغازوال”.

      ففي خبر نشرته إحدى الصحف الوطنية يوم الخميس 9 مارس 2023 لم يلبث أن انتشر سريعا على عديد الجرائد الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، يشير إلى أنه تقرر أن يستفيد أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 395 شخصا بالتمام والكمال من امتياز إضافي مع حلول فصل الربيع، يتمثل في الرفع من حصة “الغازوال” المخصصة لهم كل شهر، حتى يتمكنوا من القيام بمهامهم في أحسن الظروف، وكأن الامتيازات السابقة لم تعد كافية لتحفيزهم وشحذ هممهم للنهوض بأعمالهم النيابية.

      ويضيف ذات الخبر الاستفزازي الذي نزل بردا وسلاما على “نواب الأمة” في عز الغلاء الحارق، أن القيمة الإجمالية لهذا “الريع البرلماني” الجديد تتجاوز الألف درهم بالنسبة للبعض، من القاطنين بعيدا عن العاصمة الإدارية حيث يوجد مقر المؤسسة التشريعية. وقد عزا أحد المستفيدين من المحظوظين الظرفاء هذه الالتفاتة “الكريمة” لرئيس مجلس النواب، إلى ما باتت تعرفه أسعار المحروقات من زيادات متواترة من شأنها الإضرار بجيوب زملائه البرلمانيين…

      ولعل ما أثار حفيظة المواطنين هو أن تؤشر الحكومة على هذه الزيادة في الوقت الذي تواجه فيه احتجاجات الشارع حول ارتفاع كلفة العيش بتبريرات واهية، من قبيل ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، الظروف المناخية، الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من الذرائع المكشوفة، فضلا عن أنها تخصص مليارا و500 مليون سنتيم لفائدة السيدات والسادة النواب من أجل “وقود” سياراتهم الفارهة، وهي تعلم علم اليقين أنهم يتلقون مقابل أداء مهامهم تعويضات مالية مزجية تفوق ال”35″ ألف درهم شهريا.

      ترى أي استهتار بالمسؤولية في ترشيد النفقات أفظع من هذا الذي ينهجه رئيس مجلس النواب بإيعاز من الحكومة؟ ثم كيف يستمر العبث بالمال العام بينما لم يمض سوى بضعة شهور فقط على مراسلة رئيس الحكومة، التي يطالب من خلالها جميع الوزراء والوزراء المنتدبين والمندوبين السامين وغيرهم بترشيد النفقات وضبط نفقات الموظفين بالتعاون مع مصالح مديرية الميزانية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية…؟

     فرئيس مجلس النواب الحالي التجمعي رشيد الطالبي العلمي هو من كان على رأس نفس المؤسسة التشريعية في عهد أول حكومة يرأسها أمين عام لحزب إسلامي “العدالة والتنمية” بعد إقرار دستور 2011، إذ أنه ومن أجل محاربة غياب النواب المتكرر عن حضور أشغال المؤسسة التشريعية سواء في اللجن أو الجلسات العامة، فكر ودبر ولم يجد من حل عدا محاولة إغرائهم بعدة امتيازات ومنها هواتف ذكية وحجز 30 ألف ليلة مبيت في أفخم فنادق الرباط. وقد خصص مكتب مجلس النواب أذونات الغازوال تتراوح بين ألف وأربعة آلاف درهم شهريا حسب المسافة الفاصلة عن الرباط للنواب غير المستفيدين من تخفيضات النقل الجوي، وكذا 395 لوحة إلكترونية ومعها شرائح الإنترنت G3 بكلفة تقدر بحوالي مليون و600 ألف درهم. علاوة على عديد الصفقات العمومية الأخرى التي استنزفت ملايين الدراهم من المال العام، بدون فائدة تذكر.

      ومن غريب المفارقات العصية على الإدراك، هو أن رئيس مجلس النواب القديم/الجديد يكاد لا يتوقف عن كرمه الحاتمي في تمتيع أعضاء مجلسه “الموقر” بالامتيازات وإغراقهم في الهدايا من أموال دافعي الضرائب، هو ذات الشخص الذي سبق له أن عبر خلال إحدى جلسات العامة في دورة أكتوبر من السنة الماضية 2022 عن امتعاضه من تواصل غياب بعض النواب، عندما تساءل باستنكار شديد حول مدى حاجة البلاد إلى مجلس للنواب يضم 395 عضوا ولا يحضر منه سوى الثلث فقط، بينما يتغيب الثلثان منه دون سابق إشعار، حيث لم يحضر إذاك جلسة تصويت على مشروع قانون ذي أهمية بالغة عدا 161 نائبا من أصل 395 نائبا، ليحظى المشروع بموافقة 195 نائبا مقابل امتناع اثنين، فيما بلغت التغيبات المسجلة في صفوف النواب 234 عضوا؟ فكيف يسمح للمتغيبين بالاستفادة من امتيازات الغازوال وغيرها؟

      

      إننا لن نجد من القول لرئيس مجلس النواب وغيره من المسؤولين الذين يستهويهم استنزاف أموالنا دون موجب حق والعبث بأعصابنا، أقوى مما قال ملك البلاد محمد السادس في خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2017، بمناسبة الذكرى 18 لجلوسه على العرش: “كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة وإما أن تنسحبوا. فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون…”

اسماعيل الحلوتي

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش في راس الوالي شوراق.. طابق زجاجي يطمس هوية مسجد ابْنِ صَلَاحٍ الذي شيد في القرن 14

تعليق/ محمد خالد عدسة / ف. الطرومبتي يعد