مدينة قلعة السراغنة بين الركود و الفساد

مدينة قلعة السراغنة بين الركود و الفساد

- ‎فيرأي, في الواجهة, مجتمع
838
6

البدالي صافي الدين

سبق أن أشرنا في مقال سابق بعنوان “مشاكل قلعة السراغنة و أخواتها” ، و تعهدنا للمتتبع بالعودة الى الموضوع . و بما أن لا شيء تغير منذ ذلك الحين، أي منذ شتنبر الماضي ، نعود إلى موضوع مدينتنا التي تعيش ركودا و تخلفا و تعيش نزيفا بيئيا، حتى أصبح أغلب السكان يتساءلون عن أسباب هذا الركود و هذا التخلف اللذان تعيشهما مدينة قلعة السراغنة دون غيرها من المدن المغربية، اقتصاديا و اجتماعيا ، و على المستوى التأهيل الحضاري و العمراني والبيئي والبنية التحتية، و ايضا على مستوى المشاريع التنموية.هي تساؤلات وجيهة و مشروعة.

 

قد يعتقد البعض بأن ما تعيشه المدينة الآن من وضع يطغى عليه الركود و البؤس الاجتماعي و الثقافي جاء بالصدفة أو بسبب عطب عابر في آلة تسيير وتدبير الشأن المحلي ، في حين أن الحقيقة ليست كذلك. أولا : لأن التخلف والركود هما نتيجة تراكم من صنع أيدي الفساد الإداري و المالي و السياسي و الاخلاقي.

ثانيا: لأن توقف نبض المدينة هو نتيجة الفساد الإداري الذي جعلها محاصرة بأحزمة البؤس التي شكلها البناء العشوائي الذي ظل مجالا للاغتناء غير المشروع من طرف السلطة واعوانها و كثير من المستشارين حتى أصبح واقعا مرغوبا فيه، لأنه يشكل كتلة ناخبة تحت الطلب من طرف المسؤولين عن الشأن المحلي من منتخبين وسلطات محلية وإقليمية للتحكم في التوازنات السياسية.

ثالثا : إن هذه الأحزمة أصبحت احزمة ناسفة تهدد كل تقدم عمراني وحضاري سالمين ، فهي التي أنتجت العربات المجرورة لنقل الركاب داخل المدينة و العبث بالنفايات المنزلية ليلا و نهارا ، و أصبحت تشكل خطورة على المارة و أصحاب السيارات ، في حين أن الأمن و السلطات و المجلس لا يحركون ساكنا لحماية المدينة من هذه المظاهر المشينة . لأن هناك منهم من له مصلحة في ذلك ،لأنه يستفيد من مداخلها اليومية و أصبح مع الذين يعترضون على استفادة المدينة من أي نقل حضري ممكن. إنه سلوك يعبر عن الفساد الأخلاقي الذي لا ينتج إلا مظاهر الفوضى و انتشار البؤس بالمدينة و تعطيل وتيرة النمو والتطور .

رابعا: إن الفساد الإداري كان ولا يزال السبب في تكاثر الباعة المتجولين و احتلالهم الشوارع و الأزقة مجبرين ويتعرضون للاستغلال من طرف مسؤولين من السلطة وأعوانها و من طرف بعض أعضاء المجلس . و ظل هؤلاء ينتظرون حلا جدريا مناسبا بعيدا عن الاستغلال و المحسوبية و الزبونية بتاهيل الأسواق النموذجية و تأطيرها بقانون يحميهم من بطش المكلفين بتدبير هذه الأسواق التي أصبحت موضوع شبهات تتجلى في الاستغلال غير القانوني لهؤلاء الباعة ماديا و معنويا، خاصة في الانتخابات، لأنهم يشكلون كتلة ناخبة مهمة يراهن عليها بعض المستشارين بالمحلس حتى يضمنوا الاستمرار في هذا المجلس .

خامسا : إن آفة الفساد الإداري و المالي التي ابتليت بها المدينة هي سبب الركود الاقتصادي أي هبوط في النمو . هذا الهبوط التي يتجلى في غياب استثمارات تساهم في التنمية المستدامة و في الحد من ظاهرة البطالة التي أصبحت متفشية في صفوف الشباب بالمدينة ، ذلك لأن بنية استقبال المستثمر غير متوفرة، و لأن أراضي الحي الصناعي الحالي تم توزيعها من قبل و في إطار سياسة الريع على غير المهنيين الحقيقيين . كما أن المجلس لا يملك أية دراسة علمية و استراتيجية مندمجة من خلال تحديد مؤهلات المدينة الطبيعية و البشرية و اليد العاملة لجلب المستثمرين من الداخل أو من الخارج .

سادسا : أما أسباب التخلف الحضاري والعمراني فهي راجعة الى عامل المضاربات العقارية من جهة و من جهة أخرى إلى عامل التستر و التشجيع على البناء العشوائي الذي أصبح يحاصر المدينة شمالا (ازنادة ) و جنوبا ( البانكة و كدية الجمالة وجنانات بن عرش ) و غربا (المحيطة أو دوار الكوشة و على الطريق الوطنية المؤدية إلى بن جرير )و شرقا ( جنانات الرويش ).

ويعود تاريخ هذه المظاهر الى بداية الثمانينات حيث كانت الهجرة من البادية الى المدينة قوية بفعل الجفاف ، و تم استغلال الوافدين بتركهم يؤسسون أحياء عشوائية داخل المدينة ( الغابية ، اسويكية ، جنان بكار ) بالاضافة الى دواور بضواحي المدينة ( دوار الليل ،دوار اكدية الجمالة ، البانكة ، اولاد علال دوار الكرس ، الغابية … ).

 

و من هنا بدأت عملية ترييف المدينة و بدأت تتكرس مظاهر البداوة بكل مظاهرها و التي هي عكس الحضارة التي تعني الاستقرار ، والحياة المدنيّة والتقارب الاجتماعي. و لم يكن حل المشكل إلا على حساب هندسة الجزيئات التي تم إنشاؤها من طرف السكنى و التعمير أو من طرف شركة ايراك بتخصيص قطع مجهزة لتعويض السكن العشوائي مما جعل الأحياء الحديثة تعرف الاكتضاض و المضاربات العقارية و المعشواءبة في التصاميم حتى اصبحت المدينة لا تملك هوية معمارية تربط بين ماضيها المعماري والتراثي و البيئي و بين حاضرها الذي اصبح يطغى عليه البؤس المعماري والبيئي بفعل السياسية العمياء في تدبير الشأن المحلي.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

إحداث محطات جديدة بمختلف أقاليم جهة مراكش لقياس مؤشرات جودة الهواء

كلامكم في إطار البرنامج الوطني للهواء في أفق