مؤسف ومؤلم جدا أن ينتهي المطاف بقدماء نجومنا سواء منها الرياضية أو الفنية وغيرها في مستنقع النسيان والتهميش. إذ من غير المقبول أخلاقيا التنكر لتاريخها الحافل بالأفراح والمسرات، كما هو الشأن بالنسبة مثلا لأحد أبرز مشاهير كرة القدم الوطنية، الذي وجد نفسه بعد كل عطاءاته المتميزة، وكما أظهره مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع بين الجمهور الرياضي الواسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، مضطرا إلى الجلوس على الأرض في أحد ممرات ملعب رياضي، طالما كان واحدا من بين أفضل صناع الفرجة والبهجة فوق مستطيله الأخضر، سواء مع فريقه الأصلي نادي الوداد الرياضي البيضاوي أو منتخب بلاده أسود الأطلس…
ويتعلق الأمر هنا والآن بالجناح الأيسر الودادي الوديع والدولي السابق عبد المجيد اسحيتة صاحب القدم اليسرى “الذهبية” التي كثيرا ما هزت تسديداتها القوية والمركزة شباك الفرق والمنتخبات المنافسة ومعها مدرجات الملاعب الكروية. الذي من فرط عشقه الدائم لفريقه الأم اقتنى على مضض ولأسباب خاصة من السوق السوداء تذكرة الدخول ل”سطاد دونور”، رغبة في متابعة أطوار المقابلة التي جمعت مساء يوم الجمعة 13 ماي 2022 على أرض المركب الرياضي محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء، فريقه نادي الوداد الرياضي بنظيره الكونغولي فريق “بيترو أتلتيكو”، برسم إياب نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا في كرة القدم. غير أنه تفاديا للمشاكل ارتأى البحث له عن مقعد آخر بعيدا عن مقعده الحقيقي الذي وجده “محتلا” من طرف أحد المتفرجين، وحين تعذر عليه إيجاد مقعد شاغر، اضطر إلى اقتعاد الأرض بأحد الممرات دون أن يأبه لوجوده أحد، لولا أن صحافيا فطن للأمر وتفضل بمنحه مكانه في منصة الصحافيين الرياضيين.
وعبد المجيد اسحيتة لمن لا يعرفه اليوم من أنصار فريقه خاصة والجمهور الرياضي المغربي عامة، هو أحد نجوم كرة القدم الذي انضم إلى الفريق الأحمر “الوداد البيضاوي” منذ نعومة أظافر “قدميه” في أواخر ستينيات القرن الماضي، حيث تدرج ضمن الصغار إلى أن تمكن من الوصول إلى الفريق الأول. مما جعله يظل حريصا على العناية بالفئات الصغرى ويدعو من موقعه كمؤطر لها داخل ناديه بضرورة مضاعفة الجهود في اتجاه الاهتمام بالعمل القاعدي والسهر على تطويره، باعتباره الركيزة الأساسية في تنشئة اللاعبين الصغار رياضيا وتربويا وأخلاقيا والإسهام في النهوض بكرة القدم الوطنية.
وجدير بالذكر كذلك أن النجم السابق اسحيتة ساهم إلى جانب مجايليه من أعضاء فريق الوداد البيضاوي في تحقيق أربع بطولات خلال السنوات التالية: 1976 و1977 و1978 و1986، وأحرز معه كأس العرش ثلاث مرات في 1978 و1979 و1981، وكأس محمد الخامس سنة 1979، كما أنه توج بجائزة أحسن لاعب في المغرب ثلاث سنوات متتالية: 1976 و1977 و1978…
ثم إنه ومن حسن حظ الدولي السابق اسحيتة أن شريط الفيديو المتداول إلى اليوم بين المغاربة منذ يوم الجمعة 13 ماي 2022 الذي تأهل فيه الفريق البيضاوي لخوض مقابلة نهاية دوري أبطال إفريقيا المقرر إجراؤها يوم الإثنين 30 ماي 2022 ضد نظيره المصري نادي الأهلي بذات المركب الرياضي محمد الخامس، عاد ليسلط الضوء على حياته الكروية وإنجازاته، وفي ذات الوقت خلف استياء عميقا ليس فقط في أوساط أنصار الفريق الأحمر، بل لدى جميع المواطنين الذين أتيحت لهم فرصة مشاهدة المقطع الذي يحكي فيه بحرقة وهو يغالب الدموع في عينيه، كيف تم تهميشه وعدم الاعتراف له بما أسداه من جليل الخدمات لفريقة الأصلي ولكرة القدم الوطنية بشكل عام. حيث استمر في اللعب على مدى 13 سنة دون أن يحصل على منحة التوقيع، وكان بدل ذلك يتلقى حقنا خاصة في ركبته من أجل أن يكون جاهزا لخوض المباريات وإسعاد الجماهير الرياضية في الملاعب المغربية وخارجها…
إن الحادث المؤسف الذي تعرض له اللاعب الدولي السابق عبد المجيد اسحيتة يعد وصمة عار على جبين رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع وجميع المسؤولين في نادي الوداد الرياضي البيضاوي وغيره من الأندية الرياضية الأخرى سواء في كرة القدم أو باقي الرياضات الأخرى، ولاسيما أن نفس الإهانة كان قد تعرض لها قبله لاعبون دوليون آخرون، من قبيل “النجمين” الشهيرين أحمد فرس وحسن اعسيلة اللذين أبى بعص عناصر الأمن إلا أن يمنعاهما أمام عدد من المنظمين من دخول المركب الرياضي محمد الخامس لمتابعة أطوار مباراة جمعت في فبراير 2018 بين المنتخبين المغربي ونظيره النيجيري برسم إقصائيات كأس إفريقيا للمحليين، بدعوى أن الملعب مملوء عن آخره.
ترى كم يمكن أن يكلف الجامعة المغربية ومعها الأندية الوطنية، القيام بتحضير بطائق الدخول للملاعب الرياضية لمثل هؤلاء “النجوم” القدماء، وحتى إمكانية استضافتهم خارج مدنهم الأصلية المبيت ليلة أو ليلتين إذا تطلب الأمر ذلك في فنادق المدن التي تحتضن مباريات أنديتهم الأصلية في البطولة الاحترافية أو المنتخب الوطني؟ فالتهميش وعدم الاعتراف بفضائل اللاعبين المتميزين القدماء، من شأنهما التأثير سلبا على مستقبل اللاعبين الجدد والدفع بهم نحو الهروب من الوطن عبر شتى السبل والوسائل؟
اسماعيل الحلوتي (رجاوي)