المغرب و الاتحاد الإفريقي نحو أفق دبلوماسي جديد

المغرب و الاتحاد الإفريقي نحو أفق دبلوماسي جديد

- ‎فيرأي
161
6

بقلم/ الموساوي العجلاوي

أنهت القمة الخامسة والثلاثون للاتحاد الإفريقي أعمالها الأحد 6 فبراير 2022، وختمت في نفس الوقت سلسلة اجتماعات لمؤسسات الاتحاد غطت الفترة الممتدة من 27 يناير إلى 6 فبراير، من اجتماع أول على مستوى السفراء، ثم المجلس التنفيذي، الدورة 40 على مستوى وزراء الخارجية، و تم الختم بقمة  الدورة الخامسة والثلاثين لرؤساء الدول والحكومات. عمل رئيس الوزراء الإثيوبي أحمد أبي في هذه القمة على أن تكون “حضورية” لاعتبارات مرتبطة بما يجري في إثيوبيا وفي القرن الإفريقي.

تمحورت اجتماعات المجلس التنفيذي حول ثلاث نقط،:

  1. تجديد أجهزة داخل الاتحاد الإفريقي، كان أهمها انتخابات الأعضاء 15 لمجلس السلم والأمن، لاعتبارات متعلقة بالتوازنات الجهوية والسياسية والإديولوجية داخل الاتحاد، وبمسار الإصلاحات التي وقعت داخل هذا المجلس من توسيع دائرة اختصاصه، بعد أن تخلص من هيمنة دولة جنوب إفريقيا، ومن النظام الجزائري، والتي امتدت من 2003 إلى مارس 2021؛ حيث تم انتخاب النايجيري Bankole Adeoye  في مارس 2021 رئيسا جديدا للمجلس خلفا للجزائري اسماعيل الشرقي. وفي إطار الإصلاحات المؤسسية داخل الاتحاد الإفريقي تم انتخاب رئيس الوكالة الإفريقية للتنمية في صيغتها الجديدة، وانتخاب نائبة لرئيس مجلس الجامعة الإفريقية، وأجل انتخاب سيدة عن منطقة شمال إفريقيا( لم تتقدم أي مترشحة)، وهذا إشكال يطرح دور النظام الجزائري في شل تمثيلية المنطقة داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي.
  2. مناقشة مشاريع قوانين ونظم وتعديل مواد اتفاقات، ومشروع بروتوكول الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، بشأن حقوق المواطنين في الحماية الاجتماعية والتضامن الاجتماعي وحماية الممتلكات الثقافية والتراث…
  3. مناقشة التقارير المتعلقة بجائحة كورونا وآثارها الاجتماعية والاقتصادية على الدول الإفريقية، و بالمركز الإفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ومشروع التصديق على المعاهدة المؤسسة للوكالة الإفريقية للأدوية، وتقرير مرحلي عن الإصلاحات المؤسسية للاتحاد الإفريقي، وتقرير عن الوضع في برلمان عموم إفريقيا، الذي ينتظر دوره في الخلاص من هيمنة دولة جنوب إفريقيا.

القراءة السياسية لانتخاب المغرب في مجلس الشؤون السياسية والسلم والأمن:

تم انتخاب المغرب عضوا في مجلس الشؤون السياسية والسلم والأمن لمدة 3 سنوات وفق اللوائح الداخلية للمجلس ، الذي يشهد إصلاحات منذ رحيل الجزائري إسماعيل شرقي عن رئاسة المجلس، علما أن المغرب انتخب للمرة الأولى في العام 2018 لفترة دامت سنتين.

يتيح الحضور الفعلي داخل هذه الهيئة من تتبع الملفات المتعلقة بالسلم والأمن داخل القارة، وحضور المغرب عضوا، مع إمكانية ترأسه الدوري للمجلس، يكشف عن الوزن السياسي الجديد للمغرب داخل القارة. الانتخابات داخل المجلس تخضع لمنطق التقسيم الجغرافي الخماسي، وتنص القوانين الداخلية للمجلس على انتخاب 5 أعضاء لخمس المناطق ولمدة 3 سنوات، في حين وزعت المقاعد العشر على المناطق الخمس، وتتراوح المناصب المخصصة لكل منطقة بين اثنين( منطقة شمال إفريقيا، مقعد لسنتين ومقعد لثلاث سنوات) ومنطقة غرب إفريقيا أربعة مقاعد. تجري الأمور بالتناوب وبتفاهمات بين دول المنطقة. ترشح المغرب لانتخابات هذه السنة أزعج بعض منافسيه، خصوصا بعد أن تنازلت ليبيا عن ترشحها لصالح المغرب، ودعم المغرب بدوره انتخاب ليبيا لمنصب النائب الثاني لهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي في القمة الخامسة والثلاثين. يمكن حصر القراءة السياسية لإعادة انتخاب المغرب في مجلس السلم والأمن في النقاط التالية:

  1. يجمع عدد من المراقبين أن المغرب يتمتع بوزن متزايد داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، وشتان بين ما قبل وما بعد يناير 2017، رغم المناورات اليومية لخصومه، وهم بالأساس دولة جنوب إفريقيا والنظام الجزائري وناميبيا وزيمبابوي وأوغندا. ومكنت عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017 من تعديل في موازين القوى داخل الاتحاد، حيث اكتمل الحضور المغربي السياسي بالاقتصادي والمالي والديني والروحي ليشمل كل المناطق الخمس. انتبهت دولة جنوب إفريقيا للتحول الحاصل في موازين القوى داخل القارة فعملت على توظيف لقاء لتجمع دول جنوب القارة SADC لدعم البوليزاريو، فدعت أواخر مارس 2019 لاجتماع في بريتوريا حضرته فنزويلا ونيكاراغوا و والجزائر وأوغندا وكوبا، في حين غابت 5 دول من التجمع عن هذا اللقاء، وفضلت دول أخرى من نفس التجمع حضور اللقاء .  موازاة مع ذلك  وفي نفس  الزمن تحرك المغرب واستطاع جمع 36 دولة إفريقية في مراكش لنصرة ودعم القرار 693، الصادر عن قمة انواكشوط (2018)، والقاضي بحصر الأمم المتحدة فقط في معالجة نزاع الصحراء . الغريب أن حكومة جنوب إفريقيا احتجت على المغرب لعقده لقاء مراكش. وعدد من الأحداث تؤكد هذا التوجه في تحول موازين القوى داخل الاتحاد الإفريقي. وتحاول دولة جنوب إفريقيا استعادة وتوظيف الواجهة الجديدة للنظام الجزائري لفرملة التغيرات الحاصلة في أجهزة الاتحاد الإفريقي، عبر تبني خطاب مفاده أن “حربا ضروسا” قائمة في ” الصحراء الغربية” وأن المسؤول عن ذلك هو المغرب، وذلك في محاولة استعادة أوراق، حكم الزمن الإفريقي بخسارتها. هذا ما يفسر التحركات العدائية للنظام الجزائري تجاه المغرب في الشهور الأخيرة، لكن غياب بعد النظر الاستراتيجي في العمل الدبلوماسي كشف ضعف الدبلوماسية الجزائرية حين طرح موضوع القمة العربية، المفروض أن تعقد في مارس المقبل بالجزائر، فبرز تناقض كبير في ممارسات السياسة الخارجية الجزائرية على المستوى العربي والإفريقي، تناقض بين إشهار العداء نحو جار عربي ورغبة النظام في ” لم الشمل العربي” !!!
  2. تؤكد المادة الخامسة من بروتوكول مجلس السلم والأمن على شروط الترشح لعضوية مجلس السلم والأمن المتمثلة في تعزيز اسلم والأمن والاستقرار في إفريقيا، وبالوفاء بالالتزامات  المالية والأخلاقية والسياسية، واحترام ميثاق الاتحاد الإفريقي. هي نفس المبادئ التي شكلت إحدى محاور الخطاب الملكي أمام قمة العودة في إديس أبابا، أواخر يناير 2017. أن ينجح المغرب بثلثي أعضاء الاتحاد الإفريقي في انتخابات مجلس السلم والأمن، فهذا اعتراف إفريقي بدور المغرب في بناء السلم داخل القارة، خاصة المبادرات المتخذة في إطار مواجهة كوفيد 19، والمساهمة المغربية في بعثات حفظ الأمن الأممية داخل القارة، إضافة إلى الوساطة في عدد من النزاعات. بيد أن الرسالة السياسية الأعمق أن ينتخب المغرب عضوا في مجلس السلم والأمن في سياقات إقليمية يسود فيها خطاب العداء من لدن النظام في الجزائر تجاه المغرب. إفريقيا تدرك الغبن الذي وقعت فيه القارة منذ 1984، فلأول مرة في تاريخ المنظمات الإقليمية تملك دولة الجزائر حق التصويت مرتين داخل الاتحاد الإفريقي، ولم يسمح أبدا للبوليزاريو أن تأخذ رئاسة الاتحاد الإفريقي، أو اللجان الرئيسية، بل حتى صورة القمة تضع زعيم البوليزاريو في الصف الثالث أو الرابع. هذا الوضع في الدور المتنامي للمغرب داخل القارة والحروب الداخلية لواجهات النظام في الجزائر دفعت ” أعلام” هذه الواجهات إلى ارتكاب أخطاء دبلوماسية وسياسية مثيرة وموضوع سخرية في وسائل التواصل الاجتماعي، من أن المغرب ينتهك وقف إطلاق النار، في حين ان ” البيانات العسكرية” للبوليزاريو تجاوزت رقم 450، وأن زعيم البوليزاريو أرسل رسالة في نوفمبر 2021 إلى الأمين العام يخبره فيها انه لم يعد ملتزما بوقف إطلاق النار، ثم يأتون في فبراير 2022 لاتهام المغرب بخرق وقف إطلاق النار، وجاءهم الرد من الأمم المتحدة بأن ذلك لم يقع، وهذا ليس حبا في المغرب، بل لتوضيح سرقات الصفات والاختصاصات وتحريف الأحداث، فاتفاق وقف إطلاق النار في شتنبر 1991 جاء في شكل رسائل منفردة إلى الأمين العام من لدن البوليزاريو يوم 10/06/1991، و من المغرب يوم 11/06/1991، على المقترح الذي قدمه الأمين العام، ولم يسبق في تاريخ النزاع الإقليمي أن وقع المغرب مع البوليزاريو اتفاقا مشتركا لوقف إطلاق النار، فهو إشكال قائم بين كل طرف و الأمم المتحدة. وانتخاب المغرب في مجلس السلم والأمن في الدورة 35 للاتحاد الإفريقي هو إجابة من القارة الإفريقية على هذه الانحرافات من لدن الحاضن للانفصال والارتزاق، والمحضون الذي لا قوة له، واختار الانصياع التام لسيده. وغداة تطهير معبر الكركرات في نوفمبر 2020،  راسل الملك محمد السادس الأمين العام للأمم المتحدة مؤكدا على أن المغرب ما زال متمسكا بالحل السياسي، وبوقف إطلاق النار، وأن ما جرى هو إعادة الوضع إلى طبيعته. فالقول بالخرق هو من مسؤولية الأمم المتحدة، والوصاية الحادة على البوليزاريو من لدن النظام الجزائري دفعت العاقلين في إفريقيا إلى عدم إعارة أي اهتمام لهذه التصريحات باستثناء ” وكالة الأنباء الجزائرية”. من هذه السياقات تأتي الأهمية السياسية لانتخاب المغرب عضوا في مجلس السلم والأمن

المرصد الإفريقي للهجرة بالرباط

قدم الملك محمد السادس إلى القمة 35 تقريرا عن الهجرة بصفته قائدا إفريقيا في قضايا الهجرة، كما أجمعت عليه القمم السابقة التي أعقبت عودة المغرب. و بين القمة 30 (2018) والقمة 35 ( 2022) قدم اقتراح ملكي بإنشاء المرصد الإفريقي للهجرة بالرباط، وتمت الموافقة عليه بموجب القرار 695 بتاريخ 31 يوليوز 2018، وتم إعداد الإطار القانوني، وتحديد وظائف المرصد، والأنشطة المرتقب تنظيمها في المغرب، واعتمد النظام الأساسي للمرصد في القمة 33 ( فبراير 2020)، واكتمل المشروع يوم 18 /12/2020، وهو اليوم العالمي للمهاجرين. قدم التقرير الملكي في الدورة 35 الرؤية الإفريقية لمعالجة ما تطرحه إشكالات الهجرة الإفريقية داخل القارة وخارجها، وأن الهدف من المرصد هو امتلاك أداة سياسية ومعرفية لمعالجة هذه القضايا، وتصميم سياسات للهجرة وتطوير القدرة التنسيقية بين البلدان الإفريقية حول موضوع الهجرة، التي تتم 80%  منها داخل القارة، وذلك بهدف تقديم مقاربة إفريقية مندمجة وشاملة لقضايا الهجرة على مستوى العلاقات مع الدول، ومع المنظمات الإقليمية والدولية. وكما ورد في إحدى الرسائل الملكية أن قضايا الهجرة يجب أن تكون موضوع مقاربات ثلاث، وطنية وإقليمية ودولية، وأن قضايا المهاجر يجب أن تعالج من ثلاث زوايا، البعد الإنساني والحقوقي والقانوني.

ويروم المرصد الإفريقي للهجرة إلى توفير بيانات دقيقة ونوعية عن الهجرة لدحض كل الصور النمطية، التي تستغل سياسيا من لدن الحركات المتطرفة. الهدف إذن من هذه المؤسسة هو تمكين إفريقيا من إنتاج معطيات علمية دقيقة قابلة للنشر، ورصد المعلومات والاتجاهات العامة لدعم توجيه السياسات الإفريقية في اتخاذ القرار، و التنسيق بين مختلف الإدارات، كان ذلك على المستوى القاري أو الدولي.  و الهدف من إنشاء المرصد أيضا تيسير الحوار والتفاعل وتبادل التجارب بين الخبراء في مجال الهجرة، إن على مستوى القاري أو الدولي.

الأفق الدبلوماسي الجديد للمغرب في القارة الإفريقية سيتعزز في السنوات المقبلة، من حيث الدور السياسي المتنامي للمغرب، وقيادته لكتلة إفريقية تدافع عن الإصلاحات المؤسسية، ورفض توظيف الاتحاد الإفريقي لتحقيق مصالح دول لم تستطع توفير المعيش اليومي لمواطنيها. مسك الختام أن الترويكا التي أقرها قرار القمة 693، ( انواكشوط 2018) والتي ستواكب ملف النزاع حول الصحراء مع الأمم المتحدة، مكونة من الرئيس السنغالي ورئيس الكونغو الديمقراطية ورئيس جزر القمر، وكلها دول فتحت قنصلياتها في العيون والداخلة.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. البناء العشوائي بمراكش. درب الصندوق البالي رياض الموخى التابع لمقاطعة الباهية وعلى عينيك ابن عدي..

عدسة: ف. الطرومبتي