أمام ما بتنا نسجله باستياء عميق من مهازل وفضائح، كلما كانت بلداننا الإفريقية على موعد مع تنظيم بطولات وتظاهرات رياضية، لم يعد بمقدورنا أن نفهم إن كان قدر قارتنا السمراء أن تظل رهينة عقليات متكلسة، ترسف تحت أغلال التخلف والتخبط والارتجال والعشوائية وسوء التنظيم والتدبير. كما هو الحال بالنسبة لما شهده الدور الأول من نهائيات كأس أمم إفريقية لكرة القدم في نسختها 33، التي تجري فعالياتها في الكاميرون خلال الفترة الممتدة من 9 يناير إلى غاية 6 فبراير 2022.
وجدير بالذكر أن شكوكا كثيرة حامت في بداية الأمر حول إجراء هذه البطولة قبل أن يحسم مصيرها، على إثر اجتماع مهم عقده المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم مساء يوم الأحد 19 دجنبر 2021. حيث أن حالة من اللغط والغموض الشديدين سبقت تنظيمها في ظل انتشار تكهنات بإمكانية تأجيلها إلى موعد لاحق أو إلغائها، ولاسيما أن موعدها لهذه السنة جاء متعارضا مع موعد كأس العالم للأندية البطلة، بالإضافة إلى اصطدامه باعتراض كبير من لدن رابطة الأندية الأوروبية على مشاركة المحترفين الأفارقة مع منتخباتهم في هذه البطولة، بسبب تخوفات أنديتهم الحالية من احتمال تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا المستجد أو المتحور الجديد “أوميكرون” الذي بات متفشيا بشكل واسع في بلدان العالم وخصة الإفريقية.
فعلى عكس ما خلفته بطولة كأس العرب للمنتخبات العربية تحت رعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم”FIFA”، التي استضافتها دولة قطر بالعاصمة الدوحة خلال شهر دجنبر 2021 من ارتياح، وكانت بحق مهرجانا كرويا رائعا ورفيع المستوى من حيث التنظيم وأداء المنتخبات، عرفت الجولة الأولى من دور المجموعات لبطولة كأس أمم إفريقيا “طوطال إنيرجي 2021” أحداثا جد مثيرة يوم الأربعاء 12 يناير 2022، أدت إلى اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات لاذعة للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي كان صرح قبل انطلاق الدورة بأن نسخة الكاميرون ستكون الأفضل في تاريخ المستديرة بإفريقيا.
ذلك أن الفترة الممتدة من 9 إلى 12 يناير 2022 كانت حافلة بالمهازل والفضائح التي أساءت إلى وجه القارة وأحرجت اللجنة المنظمة، بدءا باللوحات الإشهارية في الملاعب الرياضية التي أصيبت بعطب تقني ابتداء منذ اليوم الثاني من البطولة، وظلت على ذلك الحال دون أي تدخل لإصلاحها. تلاها توقف المباراة التي جمعت بين منتخبي مصر ونيجيريا في أكثر من مناسبة إبان جولتها الأولى لاستبدال الكرات، جراء ما شابها من خلل في “ضغط الهواء”. أما الطامة الكبرى في ذلك اليوم المشؤوم، فهي إنهاء المقابلة التي جمعت بين المنتخب التونسي ونظيره المالي قبل وقتها في مناسبتين، حيث قام الحكم الزامبي جاني سيكازوي بإطلاق صافرة نهاية المقابلة في أول الأمر عند الدقيقة 85 من عمرها، وبعد تدارك الخطأ واستئناف اللعب عاد ثانية للإعلان عن نهايتها في الدقيقة 89 و49 ثانية بتقدم المنتخب المالي بنتيجة (1/0) دون احتساب الوقت الإضافي، الذي لا يقل عن سبع دقائق حسب تقديرات المحللين الرياضيين بجميع القنوات الرياضية.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد من العبث، إذ بعد أن أثارت الفضيحة حفيظة مدرب “نسور قرطاج” والطاقم المرافق له واللاعبين التونسيين والجماهير الرياضية، تفتقت عبقرية المنظمين وبتشاور مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، عن دعوة المنتخبين من مستودعات الملابس إلى العودة لرقعة الملعب قصد إكمال ما تبقى من عمر اللقاء والوقت الإضافي، وكان طبيعيا أن يرفض المنتخب التونسي لهكذا قرارات اعتباطية. ثم تواصلت الفضائح بتأخر انطلاق مباراة المنتخب الموريتاني ونظير الغامبي دام 45 دقيقة، وترديد النشيد الوطني القديم لموريتانيا عوض الجديد قبل صافرة البداية، مما فاجأ اللاعبين واضطرهم إلى القيام رفقة الإطار الفني بترديد النشيد المعتمد منذ عام 2017 بدون عزف موسيقي.
فأمام هذه السلسلة من الغرائب والعجائب التي عرفها تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا في أيامها الأربعة الأولى من عمرها، نتساءل بمرارة وأيدينا على قلوبنا عن شكل الأيام القادمة المتبقية منها، رافعين أكف الضراعة إلى العلي القدير أن تمر بسلام دون استفزاز أو إحراج أمام عدسات وسائل الإعلام الأجنبية؟ ثم أين نحن من تلك الانتقادات المجانية التي وجهها نجم الكرة الإفريقية لدول شمال إفريقيا وعلى رأسها كل من المغرب ومصر، بدعوى دعمهما للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” في مسعاه نحو تأجيل البطولة، واتهامهما بالسعي الدائم نحو إفساد الأمور وإحداث الفوضى، قبل أن يعود للاعتذار عما بدر منه من إساءة؟ فما رأيه اليوم في الذي حدث ببلاده من فضائح أضرت كثيرا بسمعة القارة الإفريقية؟
إن ما نأسف له حقا ونحن في القرن الواحد والعشرين هو أن تتواصل الفضائح التحكيمية والتنظيمية في بطولاتنا الرياضية، وأن يتم إيواء أغلب المنتخبات المشاركة في ظروف رديئة وسيئة إلى أبعد الحدود، وتخصيص سيارات نقل صغيرة بدل حافلات كبيرة لحمل لاعبي بعض المنتخبات إلى الملاعب لخوض تداريبهم، علما أن البلد المنظم الكاميرون كان أمامه الكثير من الوقت لتفادي مثل هذه المفاجآت والفضائح، إذ كان يفترض أن يحتضن نسخة 2019 التي تم نقلها إلى مصر لعدم جاهزية الملاعب الرياضية، ومنح له حق تنظيم النسخة الحالية 2021 التي تأجلت بدورها لمدة سنة كاملة جراء تفشي جائحة “كوفيد -19” قبل أن يتقرر تنظيمها خلال يناير الجاري.
اسماعيل الحلوتي