الباحث في التراث المغربي د. محمد أيت لعميم:  الحسن اليوسي وتشكلات الهوية المغربية 

الباحث في التراث المغربي د. محمد أيت لعميم:  الحسن اليوسي وتشكلات الهوية المغربية 

- ‎فيفي الواجهة
287
6

متابعة: اسماعيل البرار.

في إطار شراكة علمية بين مركز روافد ومركز الدكتورا بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، انطلقت أشغال الدورة التكوينية الأولى الموسومة بـــــــ: الثوابت الدينية والهوية المغربية في الدراسات الأكاديمية والأبحاث الجامعية، وقد تخلل يومها الأول محاضرة الناقد والباحث في التراث د. محمد أيت لعميم خصها للحديث عن تشكلات الهوية المغربية من خلال تأملات الحسن اليوسي، متخذًا هذا العَلَم المغربي كنموذج لإبراز الشخصية المغربية الفذة، ولتوصيف حالة النخبة في المغرب في الزمن العلوي، ليرسم الناقد والمترجم آيت لعميم معالم مغرب القرن الحادي عشر مستهلا حديثه عن البوادر الأولى التي شكلت شخصية هذا العالم ومعرّجًا على نشأته البدوية، وانطباعها في صفاء ذهنه وحدة ذكائه، علاوة على منزلة الرحلة في حياة اليوسي وفقهاء المغرب، الرحلة التي كان لها عظيم النفع على اليوسي فقد أهلته للنهل من معين العلوم اللغوية والشرعية والتصوف والأدب، فقد تتلمذ على جلة من علماء عصره ومنهم الشيخ محمد بن ناصر الدرعي 1011هـ-1085هـ شيخ الزاوية التمكروتية. ليصقل كل ذلك في الزاوية الدلائية تدريسا وتأليفا، فطار علمه كل مطار ولحقه المريدون إليها فلا يعدوها طالب ولا يأمل سواها راغب، قبل اضطراره إلى الخروج إلى فاس بسبب ما عرفته تلك الفترة من قلاقل سياسية كان لها وقع على نفسيته، وهو الذي لم يأنس بالحاضرة ولا بطبعها، وما كان للمترجم أيت لعميم أن يمرر هذه القضية دون لفت أنباهنا إلى متانة التكوين العلمي بالمغرب آنذاك وكيف يمكن الإفادة منه وترسم معالمه في بناء منهاج علمي قويم، يجمع بين التكوين الرسمي وأهمية التعلم الذاتي، والتحلي بمنهج النقد العلمي.

عطف د. أيت لعميم على القول بأن رحلات اليوسي، رسخت في شخصيته مكونات الهوية المغربية و يدلل على ذلك بأن مؤلفاته ناطقة بذلك، وعلى رأسها كتاباه “المحاضرات” و”زهر الأكم في الأمثال والحكم“. فقد نظر بدقة في عقائد الناس، وفي الظواهر والمظاهر، والتقاليد والعادات، والأشعار والأمثال بعفوية وتلقائية جعلته يصهر كل ذلك في بوثقة معبرة عن الخصوصيات المغربية، ويمثل لذلك الدكتور أيت لعميم بمواقفه ممن برزوا في زمن اليوسي ونصبوا أنفسهم أوصياء على عقائد الناس يحملونهم على رأي واحد يعدونه الحق الذي لا محيص عنه، ويعرج بعد ذلك على حديث اليوسي رحمه الله عن عادات أهل المغرب في صناعة الطعام، وتميز كل منطقة بأكلة معينة فيتحدث مثلا عن “الكسكسو” أو “الكسكسون”، وعن “الخليع”، و “بركوكش”، و”العصيدة”، و “الحريرة”، وغير ذلك مما بينه في كتاب المحاضرات، أما الأمثال الشعبية فقد أفردها في كتابه زهر الأكم في الأمثال والحكم، وفي كتاب الفهرست.

يشير كذلك الدكتور أيت لعميم إلى أن الملحون يأتي في طليعة اهتمامات اليوسي رحمه الله، وذلك عائد إلى تكوينه الصوفي الشيء الذي اتفق والشاعرية الصوفية عند اليوسي رحمه الله، ولذلك نجد له قصائد عديدة منقولة من الملحون في كتابه المحاضرات، وهذا ما نهز الدكتور أيت لعميم لتشبيهه بالجاحظ لما وصف حال البصرة وأهلها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن اليوسي رحمه الله وهو الرجل العابد العالم الزاهد الناهل من معين علوم الشريعة، ما كان ليقر أهل زمانه على كثير من البدع والأهواء والعوائد السيئة التي ظهرت فيهم، ويكفي تدليلا على ذلك مؤلفه “رسالة في طائفة العكاكزة”، وفي بعض الحوادث التي نقلها في كتابه المحاضرات.

إن كتب اليوسي إذا ناطقة ومعبرة عن حقيقة المغرب الواسع الذي عرفه اليوسي ولعل هذا ما دفع د. أيت لعميم إلى اعتباره رائدا في مجال “مغربة الكتابة”، ولا غرو في ذلك. إن عمق المخالطة وكبير الاطلاع فضلا عن غزارة التأليف هو ما جعل اليوسي رحمه الله، مادة علمية دسمة نهل منها المستشرق الفرنسي جاك بيرك.            

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

الاثنين المقبل .. بوادر انفراج في ملف الاساتذة الموقوفين على المستوى الوطني..

محمد خالد كشف مصدر مسؤول باكاديمية التربية والتكوين