تغطية . يوسف العيصامي
استقبل الأستاذ مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومحمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة 32 مسؤولاً قضائياً ، اليوم الخميس 21 نونبر الجاري بالرباط ، احتفاء بنيلهم شرف الموافقة الملكية .
واعتبر الرئيس المنتدب في معرض كلمته أمام المسؤولين القضائيين الجدد، أن هذا الانتقاء والتعيين يشكل دليلا على تميزهم وكتتويج لمجهوداتهم طيلة مساراتهم المهنية، التي عبروا فيها عن الكثير من الجدية والانضباط والمبادرة والاجتهاد، من أجل إيصال الحقوق لأهلها وتكريس الثقة لدى المتقاضين من خلال تطبيقهم العادل للقانون وتفعيلهم لأسس الأمن القانوني والقضائي المنشود.
وأشاد بمجهودات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكل من ساهم في كسب رهان إنجاح عملية الانتقاء والاختيار بعد جلسات عمل طوال، حرصوا خلالها بكل حزم ودقة على اختيار من اجتمعت فيه المواصفات والكفاءات والمعايير لتحمل مسؤولية إدارة وتسيير عدد من محاكم المملكة، معتبرا أن هذه العملية ليست بالمهمة اليسيرة بل تطلبت عددا من الإجراءات والتدابير والكثير من الحكمة والتبصر والبعد الاستراتيجي في قراءة الاحتياجات واختيار الكفاءات القادرة على رفع التحديات والمساهمة في بناء عدالة تليق بالمغرب.
وأضاف أن هذا التشريف وهذا التعيين ما هو إلا محطة انطلاق جديدة ، و أنهم مطالبون فيها بمضاعفة الجهد بالرفع من قدراتهم ونجاعتهم وبذل مزيد من العطاء التضحيات ،مشيرا على أنهم أمام انتظارات متعددة بالدوائر القضائية التي سيلتحقون بمحاكمها بحيث ان المجتمع يترقب آثار التغيير ومظاهر الإصلاح في سلوكهم وسمعتهم، في عملهم وخبرتهم، وفي طريقة إدارتهم وتدبيرهم، و أنهم القدوة والنموذج في الاستقلالية والحياد والنزاهة والكفاءة والتجرد، منبها أنه لا مجال للتفريط فيها أو التهاون بشأنها ، معتبرا أن الفصل في الخصومات لن يستقيم والعدل لن يتحقق إذا تم التفريط فيها أو تم فتح منافذ للاستهتار بها.
وطالب الرئيس المنتدب المسؤولين القضائيين، إلى جعل محاكمهم نماذج فاعلة في مكافحة كل مظاهر الفساد، من خلال اتخاذ كل التدابير والإجراءات وفقا لمعايير النزاهة والشفافية، وانه ليس من المقبول بتاتا التسامح مع مظاهر التسيب أو التجاوز التي تم رصدها، سواء بمناسبة ولوج المكاتب والمصالح والأقسام أو قاعات الجلسات أو مكاتب القضاة أو غيرها من مرافق المحاكم أو حتى بمحيطها ،داعيا الى جعل المحاكم فضاء خالصا لإنتاج العدالة وحل النزاعات بين المتقاضين وتقديم الخدمات القضائية للمرتفقين فقط لا غير ، وطالب منهم المحافظة على حرمة المكان ووقار البذلة وهيبة الصفة التي يحاول البعض انتهاكها من المتطفلين والمستهترين والسماسرة الذين يتاجرون بمشاكل الناس وهمومهم، ويستغلون جهلهم ونقص خبرتهم ويستفيدون من عدم ضبط ومراقبة ما يتم في ردهات المحاكم ومكاتبها ومحيطها من سلوكات وممارسات منافية للقانون وللقيم .
وعن الصفات الواجب توفرها في المسؤول القضائي اليوم، أكد الرئيس المنتدب أن السلطة القضائية تريد مسؤولا قضائيا لا يغلق عليه أبواب مكتبه، وملزم بالإنصات الواعي والايجابي لشكايات المتقاضين، ومبادر إلى توقي الأزمات واستباق الحلول واتخاذ المبادرات بكل جرأة وإرادة جادة، و عالم اجتماع ومسؤول تواصل وخبيرا اقتصاديا وإداريا ناجعا ،وذو رؤية استراتيجية واضحة الأهداف ولا أن يقتصر على البت في القضايا التي يختص بها دون أخذ بعين الاعتبار محيطها السوسيو اقتصادي وأبعادها الحقوقية والثقافية ،وذلك بهدف الوصول الى عدالة قريبة من المواطن، تتجاوز البعد الجغرافي إلى هدف إنساني قوامه الكرامة والحرية والمسؤولية، عبر أحكام قضائية منصفة تحترم قواعد المحاكمة العادلة داخل آجال معقولة .
ودعا المسؤولين القضائيين الى وجوب الاقامة والاستقرار بدوائرهم القضائية، وفتح قنوات التواصل المثمر مع العاملين من قضاة وأطر كتابة الضبط وباقي مكونات أسرة العدالة ومباشرة مهام التأطير والمراقبة والتوجيه، بعيدا عن السلبية والتساهل في جو يسوده الاحترام والانضباط وفق قيم الأسرة الواحدة المنسجمة.
وبخصوص التحديات التي فرضتها العولمة على السلطة القضائية بهدف الوصول إلى “محاكم ذكية “، حث المسؤولين القضائيين على ضرورة مواكبة هذه المتغيرات والحرص على تفعيلها والاجتهاد في حل المشاكل التي تعترضها والمساهمة في إنجاح هذا الورش الكبير، الذي أكدت عليه التوجيهات الملكية السامية في عدد من المناسبات .
وجدد الرئيس المنتدب تشديده على أهمية جعل الدوائر القضائية فضاء معرفيا مهنيا للحوار والنقاش بخصوص القضايا والمواضيع ذات الأهمية العملية، من خلال مقاربات تشاركية مع كل الفاعلين سواء في شكل لقاءات أو ندوات أو ورشات أو إصدارات أو أي آلية تواصلية تتيح لهم تبادل الرؤى العملية الواقعية وتفرز ثقافة قانونية وقضائية تعزز نجاعة السلطة القضائية وتكرس مكانتها كدعامة أساسية لحماية الحقوق والحريات .
وأشار المسؤول ذاته أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تواصل دائم معهم، حريص على تتبع مساراتهم ودعم جهودهم وتقييم أعمالهم وتوفير كل الإمكانات اللازمة، حتى يؤدوا رسالتهم ومهامهم في أحسن الظروف، باعتبارهم ممثلين للسلطة القضائية بكل تمثلاتها المجتمعية وأدوارها الدستورية والإصلاحية.