الفوتوغرافي المغربي أحمد بن إسماعيل… ذاكرة المغرب الزاخرة

الفوتوغرافي المغربي أحمد بن إسماعيل… ذاكرة المغرب الزاخرة

- ‎فيفي الواجهة
108
6

بقلم محمد البندوري

إذا كان الفنان التشكيلي أحمد بن إسماعيل يعتمد التجريد بخزان من المعلومات والمعارف؛ وبوعي بالمادة التشكيلية؛ فإنه في الآن نفسه يعتمد في منجزه الفوتوغرافي توثيق الذاكرة المغربية فنيا، بقدر ما يحمله من تقنيات معاصرة في فن التصوير، تستجيب لرؤاه الفنية، وتتلاءم مع تصوراته المعرفية والثقافية، ومع فلسفته في التعبير بالتصوير الضوئي، إذ له قدرة فنية فائقة في توظيف الصورة بناء على الأصل. فهو الذي خَبَرَ الصورة بالأبيض والأسود وسار في نهج هذه التجربة، وأضاف فيها عددا من المفاهيم، وعددا من المنجزات الجديدة، وطورها وفق الأسس المعاصرة، وأجاد فيها لتضحى رمزا بصيغة معاصرة، ويتضح أنه أخضعها للتكوين، ما انعكس على الأداء الفني؛ وسخر مختلف التقنيات المعاصرة للتعبير عن الظواهر الاجتماعية والثقافية والفنية، وإبداء ما تحمله من مفاهيم، وما يريد بسطه من أفكار ورؤى تتجسد في فنيات تصويرية معضدة بالقيم الفنية والجمالية، وحافظة للذاكرة المغربية في تشكلاتها المتنوعة: التاريخية والاجتماعية والثقافية والأدبية والفكرية والفنية وغيرها.


فهو الذي يجسد كل مقومات الصورة المتكاملة بما تحمله من معنى، وتجود به من مضامين؛ يغذيها المبدع بالمواضيع المتنوعة التي تطرحها عدسته المبهجة، بِطَرْق فني لإشكاليات فلسفية مختلفة، تصب في القيم الفنية والجمالية وقيم الإنسان والحياة والعمران، فهو يَعنَى بالتقاط صور دقيقة للإنسان في عمقه الأدبي والفكري والثقافي، وفي شقه الاجتماعي وفي شكله الفني، ويلتقط صورا لمناظر تاريخية. فالتاريخ بقسماته العمرانية حاضر في منجزه الفني، والمثقف المغربي حاضر بحمولته المعرفية والثقافية والفكرية في عمله التصويري؛ والتقاسيم الاجتماعية حاضرة في صوره بمختلف عناصرها، والموروث الحضاري المغربي حاضر بكل مفرداته في غالبية صوره. فهو صاحب أسلوب يقوم على الحيادية وعلى الدقة العالية، وعلى التقنيات المتطورة في طُرق المعالجة وتدبير شكل الصور، فيصور وفق المؤثرات الضوئية، ووفق الوعي بمستويات اللون الأبيض والأسود المطلوبة التي تتناسب ورُؤاه المعرفية وحسه الإبداعي.

 أحمد بن إسماعيل ذاكرة أدبية وفكرية وثقافية وفنية واجتماعية مغربية، فقد راكم زخما من الإنتاجات في هذه الحقول بشخصياتها الأريبة، وبمواقعها العمرانية الخالدة.

وهو في منجزه هذا، ينطلق من الواقع ليُنوّع الأساس الصوري بأسلوب فني يغوص به في عمق الفن الفوتوغرافي، بعيدا عن المساحيق اللونية، وبعيدا عن التعقيدات والإلهائيات التي تنتج عنها وتُغيّب الرسائل التي يود المبدع تبليغها. وبذلك فالمبدع يستدعي المادة الفنية، ويشتغل عليها وفق تَحقق معرفي يجعل القارئ يتعمق في تفاصيلها؛ بل ويتجاوز ذلك إلى كل ما هو رمزي وتعبيري وإيحائي ودلالي، لأنه ينقل الأحاسيس فتتميز أعماله بالصدق وتتسم بالواقعية. كما أن القيمة البنائية لديه تتخذ أبعادا تكوينية، وتتخذ خلفيات سنادية تُدللُ على وعيه بأعماق ما تكتنهه المادة المصورة، وإيلائه لها أهمية كبرى، سواء من حيث المجال الجمالي الذي يرصد السمات العديدة التي تتوفر عليها أعماله المصورة، أو من حيث صنع الإيحائية لديه، والتي تنبني على الصياغة القويمة وعلى التوازن وعلى عدة مقومات أساسية تخص الفن الفوتوغرافي في مجمله. فأعماله تنفذ إلى الأعماق لأنها تتضمن القيم الفنية وكل مقومات الفن الفوتوغرافي من إشارات؛ واستعمال الظلال واللمحة الجمالية والعمق والاقتناص وحسن اختيار اللقطة والمؤشرات الحيوية، التي ترصد العلائق المختلفة بين الدوال والمدلولات داخل الصورة الواحدة، وغالبا ما يحضُر في أعماله الإبداعية التي يؤسسها على البعد التقني والجمالي المحتوى، سواء بالشكل المباشر أو غير المباشر، وهو مدرك بالعين. ويتبع الفنان أحمد بن إسماعيل عدة مسالك يجمع فيها المحتوى في أبهى مضامينه والتوليف والتكوين الجيد، ثم يُخضع المادة للتصورات الجمالية، مؤوّلا الفضاءات والمشاهد والشخوصات، برؤيته الفنية الفوتوغرافية إلى منتوج بلاغي جدير بالمتابعة، حيث ينطلق من ركن مركَّز لأخذ غير المعتاد بطرق فنية، يُعيد من خلالها تأسيس المشهد، ويعطيه أبعادا جمالية ودلالات أخرى، تسمح له بتسجيل المشهد الواقعي واللحظة الإنسانية بإضفاء الحيوية على مُتَناوَلاته، ليمنح للقارئ فرصا من القراءة الفوتوغرافية والغوص في مضامينها.
فهو يتميز بجودة الالتقاط، والتصوير الدقيق، وصياغة محتوى الصورة في حلة فوتوغرافية فنية تحتوي جهازا مفاهيميا وتعبيريا. ويكتسح الضوءُ لديه المساحةَ المطلوبة بتوزيع دقيق مع إبراز التباين بينه وبين درجات الظلال. وهذا طبعا يتأتى بالتوظيف الأمثل ومطاوعة الموهبة، ما يقود إلى الإبداع والابتكار وبعث الجديد، خاصة أن ذاكرة المبدع تشتغل في مختبر المواد المختلفة، بتفاصيلها وحيثياتها، فتظهر أعماله ذات قيمة عالية، تتبدى فيها حنكة المبدع وتحَكُّمه في حدة الصورة ونعومتها، ليكشف عن عوالم جديدة مما استطاع بعدسته أن يلتقطها بروح فنية عالية، فهو المعروف بنظرته الفنية الثاقبة، وتوظيفاته الضوئية الدقيقة والألوان البيضاء والســــوداء الأنيقة؛ وهو المعروف كذلك بحاسته الحاذقة التي تُنتج سحرية أدائه، وتكشف عما تكتنزه أعماله من محمولات ثقافية واجتماعية وأدبية وفكرية وجمالية، وهي تزخر بالتأويل ذي الدلالات المفتوحة، وفقا لما يلتقطه بدقة عميقة وعناية فائقة من مسافات مختلفة.
وبذلك يعد أحمد بن إسماعيل ذاكرة أدبية وفكرية وثقافية وفنية واجتماعية مغربية، فقد راكم زخما من الإنتاجات في هذه الحقول بشخصياتها الأريبة، وبمواقعها العمرانية الخالدة. وراكم تجربة رائدة في فن التصوير الضوئي تجعل فنه هذا إلى جانب فنه التشكيلي في مصاف الفن الراقي المعاصر.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت