–بقلم : حمزة الفضيل
إن أحد الإشكالات المنهجية التي تعوق العقل المسلم اليوم، وتحول دون بناءه علاقة سليمة بالدين في ظل واقع مليئ بالمتغيرات و التحديات ، هي الخلط بين النص المقدس و التأويل ..بين “الآية” و”الرأي في الآية”..وإلغاء المسافة بينهما.
طالما نسمع تلك الشعارات الرنانة ، (كل يؤخذ من قوله ويرد ، لا عصمة إلا للأنبياء ، هم رجال ونحن رجال …) ، وهلم جر من التعابير التي توحي لك للوهلة الأولى بأنك أمام منهجية علمية متينة في التعامل مع النص الديني ، و القرآني على الخصوص ..غير أنك سرعان ما تُصدم بواقع يُكَذب هذه النظريات ، حين ندخل في معترك التنزيل الإجرائي ..نجد كل هذا يتبخر ، مجرد شعارات ، تتهاوى وتتفسخ على محك الإختبار و التطبيق.. ويظهر أن تقديس الأقوال واجترارها و الوقوف عندها هو الأصل ، أما إعمال العقل و الجرأة على تحريك الأذهان و إيقاظ الأفهام فهي حالات نشاز في مقابل الرغبة في الإكتفاء بالركام الموروث الذي يكتسي ثوب القداسة.
وكنتيجة حتمية لذلك ، فقد أضحى شبه مستحيل أن يتعامل الفرد المسلم مع النص القرآني بشكل مباشر، دون العودة إلى الخلف بقرون ، لاستحضار فهم معين لرجل دين معين، عاش في بيئة بشروط لا تشبه شروط هذا العصر ، لإلزام المجتمع الحديث برأيه الذي لا يستجيب إطلاقا لمتغيرات الواقع.
يجب أن نتعاطى مع التراكم الفقهي الغزير ، باعتباره إنتاجا بشريا –لا غير- ، مثله مثل أي موروث آخر ..يصلح لأن يوضع على رفوف المتاحف ، للعرض فقط ، لا للإستعمال .. لأنه من العبث أن نطلب من عقول عاشت بالقرن السابع الهجري –أو قبل ذلك- أن تبث في مستجدات واقعنا ..
هذا النكوص إلى الخلف هو بالضبط ما يجعلنا أمام منظومتين ثقافيتين متناقضتين ..نواجه عالما متغيرا بعقلية ماضوية وأفكار قديمة انتهت صلاحيتها بانتهاء عصرها وانقضاء شروط إنتاجها ..وهذا جواب من ضمن جملة أجوبة عن دواعي صعوبة إندماج المسلمين في مسلسل التنمية و التقدم.
إن هذا التيار الذي يقدس آراء الموتى و الأقدمين (والذين نعرف جميعا نزوعاتهم و شطحاتهم) ، ويجعلها فوق كل محاولة تقييم و نقد ، و يسعى للترويج لمنظور ديني واحد يشبع رغباته في التجارة باسم الدين.. هو يعمل في الحقيقة على احتكار الفهم ، بل و يعمل على احتكار “الله” نفسه ..والحديث باسمه.. و تنصيب نفسه واسطة بين العبد ومولاه ..هم كما يصفون أنفسهم في “زلة كتاب” (إن جاز التعبير) فضحت سريرتهم : “الموقعون عن رب العالمين”* ..
واختصارا للكلام .. إننا أمام خيارين ، إما أن نستدرك الأمر ، و نقارب النص المقدس مقاربة تجديدية ، يحكمها منطق العصر ، وتخضع (أقول تخضع) للمشترك الإنساني ، وإلا فالدين نفسه لن يكون بخير.. و سيلفظه الجميع.. أعدك عزيزي القارئ..وسيعزف الناس عنه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا.. فلنستعد للصدمة.
ومن المهم أن نعلم بأنه ”لا أحد يملك وكالة من الرب ليكون ظِلَّه على الأرض.”
—
هامش : *عنوان لكتاب لابن قيم الجوزية.