الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16م/ 10هـ الحسن إدوعزيز*

الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16م/ 10هـ الحسن إدوعزيز*

- ‎فيرأي
260
6

 

الجزء السادس:
تعد الساقية المهدية (المشار إليها في الأجزاء السابقة) أشهر السواقي التي كانت موجهة نحو معاصر السكر السعدية ضواحي العاصمة تارودانت. لا يزال جزء كبير من هذه الساقية موجودا، ويبلغ طول ما تبقى منها الى حدود اليوم حوالي 85 كيلومترا. وتكمن شهرتها وخصوصيتها في كونها تنقسم إلى فروع متعددة تقتسم حجم مياهها الإجمالي، قبل تجمعها في قناة رئيسية واحدة تقطع “واد آرغن” عبر إحدى القناطر الأثرية العجيبة. وبعد عبور هذه الساقية لنهر”آرغن”، تتوزع مياهها من جديد إلى ساقيتين. الأولى وتسمى “المهدية الفوقانية”، كانت تغذي القناة الموجهة إلى معمل السكر بـ”أولاد مسعود”، بعد أن تسقي الحقول التي تصادفها في طريقها. والثانية كانت تُتابع طريقها لتصب في قناة “واد اسداس” غرب المعمل المذكور. ويبدو أن مياه هذه الساقية الثانية (واد اسداس) موجهة أساسا لسقي مزارع قصب السكر، حيث يجهل الباحثون إلى حدود الآن إن كانت مياهها تصل بالفعل إلى معمل السكر “تزمورت” غربا بمنبسط قرية ” تيوت” التاريخية. لكن المؤكد بأن مياهها كانت تُوجه لتقوية مياه الساقية “العزوزية” التي تعبر “واد بورويس” جنوب معمل السكر (BERTHIER. Paul).
ولعل ما يمكن ملاحظته هو أننا لسنا أمام ساقية واحدة وحيدة، بل شبكة من السواقي المتداخلة فيما بينها من العالية نحو السافلة. فكل جزء من هذه الشبكة المائية يقطع، أولا، شريطا من المزارع المتواجدة في الحقول المسقية بالسهل؛ قبل أن تتجمع تلك الأجزاء ( أجزاء السواقي) في الأخير في قناة واحدة. ولعل الدليل على ذلك هو البقايا الأثرية المحفوظة من المنشآت المائية التي تسمى “الخراجات” باللهجة الحالية للمنطقة، والتي تجبر المياه المتجمعة على عبور “واد ارغن” على بعد 5 كيلومترات فقط من منطقة “إرازان”، حيث لا تزال الساقية “المهدية” تُستغل لسقي الحبوب بسهل “الفيض” ( بين مركز أولوز وتارودانت). وقد كانت هذه الشبكة المتداخلة من السواقي تتألف حسب الأستاذ “محمد بوجنيخ”، بالإضافة إلى الساقية “المهدية”، من مجموعة هامة أخرى من السواقي يمكن إيرادها كالآتي:
– الساقية المنصورية:
وتعد أصل الشبكة المائية كلها. وهي ساقية كبرى مأخوذة عند مستوى المجرى السفلي لواد سوس. تبتدئ بسافلة “ايكلي” قرب مكان يسمى “عين ابوكير”. كان مجراها الرئيسي لا يبتعد كثيرا عن المجرى الرئيسي لواد سوس؛ لتسقي حقول بعض الدواوير كـ “دوار الجرف” و”دوار تيمدوين”. وكانت تلتقي، بعد ذلك، وعلى بضعة أمتار فقط من عالية ” دوار السراحنة ” بــ”ساقية بويكيت” القادمة على كيلومترات غرب دوار “تيمدوين”.
– ساقية “بويكيت”:
وهي ساقية مأخوذة، في الأصل، من المجرى الأصغر لـ”واد سوس” عند مستوى أحد الأعراف الصخرية المساعدة على تجميع المياه. وكانت مياهها توجه نحو دوار “ارازان” بعد مرورها بالحقول السكرية لـ”دوار أولاد صبير”.
– المهدية القديمة:
يبلغ طولها، حسب الباحثين حوالي 4500 متر تقريبا. مأخوذة هي الأخرى من المجرى الأصغر لواد سوس، على ضفته اليمنى قبالة ” دوار أولامهاود” إلى لجنوب الغربي لمجال مدينة “ايكلي” التاريخية. وتقترب من “دوار ايت يعقوب” مبتعدة عن مجرى الواد، لتقطع مزارع “إرازان” وتصل مياهها إلى حقول”دوار الركادة غربا”. وحسب شهادات السكان المحليين، فإن هذه الساقية كانت تستقبل، في بعض الأحيان مياه ساقية بويكيت السالفة الذكر، والتي كانت تستقبل بدورها مياه الساقية المنصورية. حيث كانت تشكل هذه السواقي مجتمعة، كما أسلفنا، شبكة مائية منسجمة ومضبوطة الأهداف.
وعلى العموم، فقد كان جزء كبير من هذه الشبكة المائية، التي تحول مياه “واد سوس”، مبنيا بالتراب..كما كان جريانها سطحيا. ويُلاحظ ذلك من بقايا جدرانها الداخلية المبلطة ببلاطات قوية ناعمة الملمس. والمعدة من طبقات متوالية من الرمل المخلوط بالحصى المفتت والجير.. ولعل ذلك كان بهدف جعلها أكثر مقاومة لعملية التعرية، وبهدف تسريع الجريان وجعله أكثر انسيابا.
ويُستنتج بأن “الساقية المهدية” كانت أهم عنصر من منشآت هذه الشبكة المائية بالمنطقة. ويرجع ذلك ربما لشهرة ارتباطها بصناعة السكر؛ ولكونها الساقية الأساسية التي حظيت مقاطع مختلفة، من مجراها الطويل، بالدراسة والتنقيب حول أصولها وأهدافها؛ ولاعتبارها إحدى مظاهر هيبة وفرادة الهندسة المائية السعدية…
…يُتبع
*طالب باحث في التاريخ

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت