الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16 م/ 10 هـ

الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16 م/ 10 هـ

- ‎فيرأي
406
6

 

الحسن إدو عزيز
الجزء الثاني
وإذا كنا لا نعرف بالضبط المراحل التي مرت منها الحياة الإقتصادية بحوض”سوس الأدنى” منذ الفترات القديمة الى اليوم. فإن ما تناقلته المصادر الوسيطية فقط، يكفينا للإستنتاج بأن إنتاج هذه المنطقة من المغرب الأقصى كان دائما يفوق الحاجيات.
فابن حوقل النصيبي، ومنذ أوخر القرن الرابع الهجري، وصف هذا المجال بكونه: ”ليس بالمغرب كله بلد أجمع ولا ناحية أوفر وأغزر وأكثر خيرا منها”، أي من بلاد سوس. مشيرا أنه (سوس) ”قد جمع فنون المأكل كلها…وسائر البقول التي لا تكاد تُجمع مع غيرها”. ولعل ذلك ما يُبينه “الحميري” أيضا بقوله: ”بها من الفواكه الجليلة أجناس مختلفة وأنواع كثيرة كالجوز والتين والعنب والسفرجل والرمان والاترج الكثير والمشماش والتفاح”. بينما نجد الإدريسي، وقد انبهر أمام ما عرفه هذا الإقليم من ازدهار لصناعة النسيج، يقول: ”ويعمل ببلاد السوس من الأكسية الرقاق والثياب الرفيعة ما لا يقدر أحد على عمله بغيرها من البلدان”. أما “البكري”، فيُشير إلى: ”ان هذا القطر اشتهر بإنتاج النحاس المسبوك الذي يتجهز به التجار الى بلاد المشرق وبلاد السودان… كما تُصنع به الدرق اللمطية، التي تُهدى الى ملوك المغرب والأندلس، وهي من جلود حيوان اللمط الذي لا يُوجد الا في هذا الصقع”.
ولعل أهم زراعة اشتهر بها اقليم السوس، كما يُشير أغلب الإخباريين، هي زراعة السكر.. وهذا ما أكده “صاحب الاستبصار” الذي تحدث عن “تارودانت”(حاضرة السوس)، وقال: ”إنها أكثر بلاد الدنيا قصب السكر، وبها معاصره، ومنها يُجلب إلى جميع المغرب والأندلس وافريقية”. ونفس الخبر؛ يُشير اليه “ابن الوردي” بقوله أن: ”قصب السكر الذي بالسوس ليست على وجه الأرض مثله طولا وغلظا وحلاوة…حتى قيل إن الرطل الواحد من سكره يحمل عشرة أرطال من الماء، وحلاوته ظاهرة، ويُحمل من بلاد السوس من السكر ما يعم جميع الأرض لو حُمل إلى البلاد، ويصل فاضله إلى أقصى خُراسان”.
فمن خلال هذه النصوص يتبين مدى الإزدهار الفلاحي والاقتصادي الذي عرفته منطقة “سوس” منذ العصر الوسيط، ومدى الدور البارز الذي كان يلعبه هذا الاقليم في تزويد القوافل التجارية، العابرة له، بالمنتوجات الفلاحية من سكر وفواكه وخضر ومعادن…مما يؤكد بأنه، ودون شك، كان يتوفر على الموارد المائية الضرورية للإنتاج، والتي كانت ربما تدبر بتقنيات معينة كفيلة بالاستغلال الهادف والمعقلن الذي يتماشى وخصوصيات المنطقة.
وإذا كانت الوثائق التاريخية لإقليم سوس خلال القرن 4 هـ /10م (عصر الادارسة) لا تقدم معلومات وافية ودقيقة حول الأشغال والمنشآت الهيدروليكية بـ”سوس”، فإن طبيعة هذا المجال تحتم استعمال مجموعة من التجهيزات والمنشآت المائية. على اعتبار أن مجموع مدنه كانت، ومنذ ذلك الحين، مزدهرة كـ”ايجلي” و”تيدسي” و”تيوت” و”تامدولت” و”تارودانت”. وكانت ربما مجهزة بمصادر مائية متنوعة، وبتقنيات محلية لتوفير حاجيات سكانها من المياه؛ للاستعمال اليومي، ولطحن الحبوب بـ”الأرحاء” التي كانت منتشرة على ضفاف الأودية والسواقي… كما يستفاد ذلك من قول “البكري” عند حديثه عن مدينة “تامدولت”: ” وبقبلي إجلي، وعلى ست مراحل منها، مدينة تامدلت. أسسها عبد الله بن إدريس بن إدريس، وهي سهلية عليها سور طوب وحجر وبها حمامان وسوق عامرة ولها أبواب أربعة. وهي على نهر عنصره من جبل على عشرة أميال منها، وما بينهما بساتين، وعلى هذا النهر أرحاء كثيرة، وأرضها أكرم أرض وأكثرها ريعا تعطي للحبة مائة”.
فكما نستنتج من هذا النص، فزراعة الحبوب كانت أساسية بهذه المدينة (تامدولت) (مدينة أثرية تقع على مشارف مركز أقا بإقليم طاطا حاليا)، وبغيرها من مدن “سوس” الوسيطية. كما أن بناء “الأرحية” المائية كان ضروريا بالقرب من الحقول وعلى ضفاف الأنهار، كما يستفاد من كلام البكري. والذي يشير في نص آخر بأن الضفة اليمنى لعالية “واد سوس”، بالقرب من مدينة ” إجلي” (Igli) شرق مدينة تارودانت، قد اشتهرت، ومنذ ذلك التاريخ، بزراعة الفواكه وقصب السكر:”… وقصب السكر أكثر شيء بها يحمل الرجل بربع درهم منه ما يؤذيه ثقله، ويعمل بها السكر كثيرا وقنطار سكرها يبتاع بمثقالين وأقل…”.
وإذا كانت زراعة قصب السكر اشتهرت بالمنطقة بهذه الحدة التي يصفها “البكري”، لدرجة أن العرض يفوق الطلب؛ فإننا ندرك، لا محالة، مدى كمية المياه التي يحتاجها ذلك الإنتاج، خصوصا إذا علمنا بأن السكر من المغروسات التي تحتاج الماء باستمرار. مما يُعطينا المشروعية للحديث عن ضرورة وجود منشآت مائية، توفر تلك الحاجيات من مياه الري لهذه المنتوجات الفلاحية الهامة…

….يُتبع
*طالب باحث في التاريخ

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،