سلسلة تاريخية . الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16م/ 10هـ الحسن إدوعزيز*

سلسلة تاريخية . الماء والاقتصاد في تاريخ سوس: الدولة السعدية وصناعة السكر خلال القرن 16م/ 10هـ الحسن إدوعزيز*

- ‎فيرأي
928
6

 

ستخصص كلامكم في هذا الركن سلسلة من مقالات تاريخية توثق لمراحل مهمة من تاريخ المغرب، سيوثقها الباحث في التاريخ الاستاذ الحسن أدو عزيز، وهي مقالات مخصصة فقط لموقع كلامكم ، وأي نقل او نشر لابد من الإشارة لموقع كلامكم .

الجزء الأول
تقديم:
إن التنقيب في التاريخ الاقتصادي لإقليم سوس، وللمغرب على العموم، خلال القرن السادس عشر الميلادي (العاشر الهجري)؛ ليقودنا، بما لا يدع مجالا للشك، إلى القول بأن هذه الفترة ارتبطت ارتباطا وثيقا بظهور “الدولة السعدية” كدولة قوية كان لها دور كبير على مسرح الأحداث بالغرب الإسلامي، كما كان لها الفضل في استمرار فرض المغرب لهيبته العسكرية والسياسية على الساحة الإقليمية والدولية لفترات طويلة لاحقة، بالنظر إلى طبيعة الأحداث والتغيرات التي بدأت تعرفها الخريطة السياسية والاقتصادية للعالم أنذاك، ولحوض البحر الأبيض المتوسط على الخصوص.
ولعل الباحث المتمعن لتاريخ هذه الدولة، يكتشف أن مهد انطلاقتها، كغيرها من الإمبراطوريات التي تعاقبت على حكم بلاد المغرب، كان هو الجنوب المغربي؛ وخصوصا الجنوب الغربي منه بسهل “سوس” على وجه التحديد. وإذا كانت جل المصادر الإخبارية التقليدية، تربط قيام هذه الدولة بحركة الجهاد لتحرير الثغور الجنوبية من الاحتلال الايبيري خصوصا بمنطقة “رأس غير” (أكادير الحالية) و”سانتا كروز”، فإن هذا الجهاد من أجل التحرير كان لا بد وأن ينبني على موارد مادية أساسية لتدبير “الحركات” وتجهيزها بالعتاد والسلاح… ولا بد لتحقيق هذه الموارد من التوفر على أساس اقتصادي حقيقي ومتين. ذلك أن أغلب الدراسات الحديثة الرصينة، وبعض التنقيبات الأركيولوجية المعاصرة، تؤكد بأن “الحضارة السعدية” لم ترتبط في ظهورها وتطورها بالدعوة الدينية واستنفار الجهود من أجل التحرير فقط؛ بل في الأساس بالظروف الطبيعية والمناخية التي ميزت إقليم “سوس” منذ أواخر القرن الخامس عشر، والتي تُعد الموارد المائية جزءا أساسيا منها. مما أثر ايجابا على الازدهار الزراعي والصناعي والحضاري للمنطقة في تلك الحقبة.
وقد كشفت الأبحاث الأركيولوجية التي أنجزت بالمنطقة، بداية النصف الثاني من القرن العشرين، النقاب عن أهمية المنشآت المائية وعظمة المركبات الصناعية السعدية بها، وبارتباطها الوثيق على مستوى اشتغالها وانتاجها بالشبكة المائية لحوض سوس الأعلى؛ حيث ارتبط الاقتصاد السعدي في تلك المرحلة التاريخية، وكما تشير أغلب المصادر، بصناعة السكر كـ”قطاع أساسي” جعل من المغرب، ابانئذ، قبلة للتجار من كل البقاع…وشكل موردا أساسيا لخزينة الدولة ومظهرا من مظاهر هيبتها ورخائها. فما هي مظاهر اهتمام السعديين بصناعة السكر كأساس اقتصادي بإقليم سوس؟ وكيف شكلت العمارة والمنشآت المائية بهندستها وتقنياتها، أساس هذه الصناعة بتلك الربوع؟

سوس: التسمية والموقع
تُعد تسمية “سوس” من الأسماء التي لها حمولة تاريخية عميقة. حيث واكبت هذه التسمية تاريخ المغرب منذ بداياته إلى الآن، وعرف مدلولها تحولات كثيرة من حيث الامتداد والتقلص الجغرافي حسب مختلف العصور (ذ. حنداين محمد). فخلال التاريخ القديم، كان يُطلق هذا الاسم على المغرب كله، من المحيط الأطلنتي إلى اواسط الجزائر، ومن وراء طنجة إلى إقليم إثيوبيا جنوبا (Plin l’Ancien). بينما كان يُشير خلال العصر الوسيط، إلى ما وراء جبل درن حتى الصحراء (الوزان). أما في العصور الحديثة والمعاصرة، فيُطلق على المجال الجغرافي الواقع وراء “جبل درن” حتى حدود الصحراء، ومن “وادي نول” إلى حدود “طاطا” و”سكتانة” (المختار السوسي). وبمفهومه ينقسم إلى قسمين: “السوس الأدنى”، والذي سنركز عليه في عرضنا هذا، ويمتد من “جبل درن” و”رأس الواد” إلى “واد ولغاس” أي “ماسة”. و”السوس الأقصى” الذي يشمل ما بين “واد ولغاس” والصحراء.

سوس: تعمير قديم ومؤهلات طبيعية هامة
حسب الرحالة حانون القرطاجي فأهل حوض سوس ونواحيه قد عرفوا، قبل مجيء العرب، الزراعة والغرس على طول ضفاف هذا الوادي القديم وروافده؛ وزاولوا زراعة الحبوب وتربية المواشي. وإذا كان القرطاجيون والرومان قد طوروا تقنيات الري والفلاحة بشمال المغرب منذ فترات تاريخية قديمة، فإن مجال “سوس” كان لا محالة قد تأثر بتلك التقنيات، فعرف المحراث وزراعة الشعير، والقمح والأشجار المثمرة، واستعمال المنجل والسماد كمخصب للتربة.
إن تعمير هذه المنطقة من المغرب، بلا شك، لم تكن لتبقى دون تدبير مياهها. فلتحويل “واد سوس” إلى خزان طبيعي من المياه، أنشأت القبائل المستوطنة للمجال تجهيزاتها المائية الخاصة… فحفرت الأودية والشعاب (تاليوين)، وبنت الصهاريج و”المطفيات” (تينوضفا)، والآبار، والمخازن الجماعية لمواجهة آثار الجفاف والندرة والحروب.
لقد اتفق العديد من المؤرخين الإخباريين على قدم التعمير بسوس. فـ”الحسن الوزان” الملقب بليون الإفريقي، على سبيل المثال لا الحصر، يصف مدينة “تيوت”، وهي مدينة عريقة بضواحي تارودانت معددا مميزاتها الجغرافية الطبيعية، وخصائصها الاقتصادية والتجارية فيقول: ” تيوت مدينة قديمة أسسها الأفارقة في سهل بديع … ويمر بالقرب منها نهر سوس، وتنتج هذه الأرض كمية عظيمة من القمح والشعير وغير ذلك من الحبوب والخضر، وينبت فيها أيضا قصب السكر بكثرة … ويقصد “تيوت” عدد كثير من تجار فاس ومراكش وبلاد النيجر لشراء السكر… وفيها أيضا كمية عظيمة من التمر..”. كما أن جل مؤرخي العصر الوسيط، أشار تقريبا إلى تواجد أنشطة فلاحية تشتغل عليها ساكنة نشيطة منذ فترات ضاربة في القدم. فصحيح أننا لا نجد عندهم إشارات صريحة أو أوصاف كافية حول التقنيات المستعملة، ولكن يمكننا ان نستنتج من أوصافهم وشهاداتهم بأن حرفة الماء بهذا الإقليم كانت حرفة قديمة جدا. ذلك أننا نجد في اللغة الامازيغية، وإلى حدود اليوم، مصطلحات أصيلة تؤكد على أن تقنيات تدبير المياه السطحية بهذا المجال، ليست دخيلة ربما على المنطقة من طرف العرب الفاتحين. حيث نجد أبو عبيد الله البكري، يورد (خلال القرن 5 الهجري) مصطلح ” تاركة” (Targa) في معرض وصفه لحدود القبائل المعروفة بـ”تاركا تازكاغـت” (targa tazgarte) التي تعني “الساقية الحمراء” باللسان الفصيح، وهو نفس الاسم الذي لايزال يُطلق إلى حدود اليوم على جزء من الصحراء المغربية بالجنوب. ولعلها إشارة واضحة وصريحة حول خصوصية تقنيات الري بالمنطقة من خلال “الطبونيميا” المحلية منذ القرن الخامس الهجري. كما أن عملية توزيع المياه بالمنطقة، باستعمال تقنية “تناست” (Tanaste) تحيل، هي الأخرى، على إحدى المفردات المحلية المرتبطة بها، وهي “افيلي ن وامان” (Ifili n’ouaman) الذي يترجم ب Le fil” d’eau”، مما يحيل على تساؤلات عميقة حول أصل هذه التقنية ( التي انتقلت ربما للثقافة اللاتينية)، حيث نجد نفس المصطلح بنفس المدلول تقريبا في اللغة الاسبانية . (Fil =Ifili = fila)

….يُتبع
*طالب باحث في التاريخ

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،