الدكاترة في البرلمان ثانية

الدكاترة في البرلمان ثانية

- ‎فيرأي
314
0

د. بن لحمام بوجمعة

كانت الأولى قبل نحو السنة والنصف ، أو ما يزيد قليلا. ويومها اعتبرت إحالة نص المقترح على مجلس النواب ، حدثا غير مسبوق في تاريخ الفئة ونضالها. لكن تاريخية المحطة ، ونضوج الشروط الموضوعية لم تحل أي منها ، أو كلاها ، دون أن يعرف المسار تلك النهاية التي لم يكن يتوقعها ، أو يريدها ، أحد.
والآن هي الثانية ، تستثير أملا أقوى أنها لا تخيب كما الأولى ، وأن الأطراف – من حكومة ومعارضة – لا تعجز عن أن تصل فيها إلى القرار الأكثر رشدا. ولها سبيلا لاحبا ، إلى ذلك ، أن تجعل غاية الغايات مصلحة الوطن العليا ليس غير ، وعدالة قضية هذه الفئة ، وعدم إمكان تأجيل الحل أكثر مما أجل ؛ حتى أضر ذلك بالبلد واقتصاده وثقافته ومقدراته ، إهدارا وتفويتا.
وحقا إن ثمة أملا كبيرا هذه المرة ، وتوقعات إيجابية أن الأطراف جميعا قد استيقنت مشروعية وأولية المطلب ، وأن مقترح قانون آخر لا يمكن أن يتقدم عليه ، أو يفوقه في الأهمية مطلقا.
وفي واقع الأمر ، فإن فئة الدكاترة بالمغرب ، كرأس مال بشري هام ، وبخلاف نظرائهم ، في مختلف بلاد العالم ، يعرفون حالة سلبية من الإهدار والضياع ، وعدم الاستثمار. وبرغم أن هذه الوضعية تم التنبيه إليها ، وأثيرت بكل السبل القانونية من احتجاجات ونقابات وإعلام ، وعلى مدى تجاوز عقودا ثلاثة ، هذا إلى مشروعيتها وعدالتها التي لا يختلف حولها اثنان ، إلا أن الحل المقدور لها ، لما يحصل بعد. وهذا في الواقع أمر مؤسف تماما. ويراه الجميع كذلك ، كما يؤلم الجميع أن يستمر دونما معالجة جذرية وحقيقية ، تضع حدا نهائيا لآثاره شديدة السلبية على الوطن وتنميته ، من هجرة للأدمغة ، وإهدار للدكاترة في قطاعات الوظيفة العمومية بمهام لاتراعي مؤهلاتهم العلمية ، وبمستويات التدريس الدنيا (الابتدائي – الإعدادي – الثانوي) ، وتعطيل مشروع التحديث الوطني ، وغياب البحث العلمي الحقيقي و.. و.. إلخ.
إن إصلاح وضعية دكاترة الوظيفة العمومية ، قد بات مطلبا ملحا لا يحتمل التأجيل مطلقا. وذلك أنه يعد شرطا لنجاح البلد في تحديين رئيسيين تطرحهما تنميته هما إصلاح التعليم وتحديث الإدارة. إنه أحد المداخل الأساسية لتحقيق الإصلاح العام الذي ينشده المغرب ، ولن يكون بالوسع تجاهله ؛ لأن الأمم جميعا لم تتقدم إلا بالرهان على البحث العلمي في المقام الأول . والنقابة الوطنية المستقلة لدكاترة المغرب ، التي يعود لها الفضل في إيصال قضية الدكاترة إلى البرلمان للمرتين ؛ الأولى وهذه الثانية ، تعي ، بدرجة وضوح كبيرة ، خطورة هذه الوضعية ، كما تعي أن الأطراف المعنية بحل القضية ، من حكومة ومعارضة ، لا بد لها أن تتبين عناصر المصلحة المرجوحة في هذا الملف. وهي لذلك أصرت أن تتقدم بمشروع المقترح لهذه المرة الثانية ، آملة أنه لا تعترض المصادقة عليه أية عوارض. وقد اقتضت أهمية ومصيرية الهدف أن هذه النقابة لا تتوقف مساعيها ، على ما تكلفها من الجهد والوقت ، في بيئة مليئة بالتحديات ، كيما تساعد المسؤولين على عدم الخطإ مرة أخرى . وكم كان شديدا أنها علمت أن الحل رفض في المرة الأولى بسبب ما أعمى الأطراف من صراع ناشب بينها باعتبارها حكومة ومعارضة…
إن من يطلع على مقترح القانون الحالي – ونحن سنخصه بمقال قريب نعرض فيه مجمل تفاصيله – يخرج بيقين أنه خير رؤية ممكنة لملف الدكاترة بتعقيداته وتداخلاته المختلفة . والواقع أنه قد كان كذلك حتى في صيغته الأولى قبل التعديلات الراهنة ؛ والدليل على هذا أن هذا المقترح لم يرفض بسبب مآخذ مضمونية ، بل لاعتبارات شكلية كان بالوسع تجاوزها للأسف . لقد كانت الحكومة تفتقد حقيقة لرؤية واضحة فيما يخص قضية الدكاترة ، وهي تتعاطى معها في المرة السابقة. وثمة خشية أنها لا تكون قد تجاوزت هذه الحالة من القصور والارتباك والتناقض في التعامل مع القضية. إن تصريحات غريبة واعترافا مذهلا ورهيبا كالذي صدر عن السيد الداودي قبل أيام ، في حوار أجري معه يمكن الاطلاع عليه بموقع حزبه ، من أنه لا يفهم الأسباب التي تكمن وراء عدم الاستفادة من دكاترة الوظيفة العمومية ، طيلة السنين الماضية ، في التعليم الجامعي الذي يعرف حالة “خصاص مهول” على حد قوله ، قدره بما يزيد على اثني عشر ألف أستاذ باحث ، لهو دليل على حالة غير طبيعية ؛ إذ هو المسؤول الأول عن هذا الذي ينتقده . والحق أن تفاصيل الحوار قد فاقت كل خيال ، ولا يمكن تصديق أن وزيرا يمكن أن يقع في كل هذا الارتباك بحيث لا يقدر المسؤولية في اعترافات وتصريحات تدين الحكومة إدانة يجب أن تحاسب عليها قانونيا ؛ إن دكاترة الوظيفة العمومية بالمغرب يعرفون حالة من الإهدار وسوء الاستثمار منذ عقود ، وأعلم بذلك بطرق مختلفة ، ولم يكن هذا الأمر مما يخفى ، كما لم تكن تخفى نتائجه وآثاره الكارثية على البلد في اقتصاده وتعليمه ، وفي تنميته المنشودة.. فهل نصدق السيد الوزير ، ونعتبر أن الوضع كان خارج التحكم ، إلى درجة أنه لم يكن يعرف حتى من المسؤول عنه ، ولا ما هي أسبابه !! أضف كذلك إلى هذه الحالة غير الطبيعية اعتقاد السيد مبديع ، وزير الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات ، وتصريحه أن تحديث الادارة لايصلح له الدكاترة . وهذا ، في الواقع أمر مخيف أن يكون لدينا مسؤول يحمل في دماغه فكرة بئيسة إلى هذه الدرجة يتناقض فيها مع الدنيا جميعا ، وهو لاينتبه لنفسه ؛ ولذلك فلا عجب أن إدارتنا تعرف هذه الحالة من التخلف ما دامت تسير بمثل هذه التصورات المتجاوزة والبائدة . إن كل تجارب الدول النامية تجعل الدكاترة أساس استراتيجياتها في تحديث الادارة ، إلا أن السيد مبديع لا يروق له هذا الأمر !!
إننا نعاود التأكيد ، في آخر هذا المقال ، على أن مشروع القانون الحالي ، الذي تتقدم به هذه النقابة التي يعكف أفرادها ، منذ ما يزيد على ثلاثة عقود ، على دراسة وضعية الدكاترة في أبعادها المختلفة – هذه الوضعية التي باتت تتعقد في الآونة الأخيرة وتنذر بما لا تحمد عقباه – لهو أفضل حل على الإطلاق لقضية الدكاترة ، يخرج البلد من حالة الإرباك والإهدار في هذه القضية الوطنية المصيرية. وكما أشرنا إلى ذلك في بداية هذا المقال ، فإن ما يدعو إلى التفاؤل هو أن طرفي المعارضة والحكومة ، سواء ، قد باتوا يؤمنون، الآن، أن ملف الدكاترة يجب أن يسوى لمرة أخيرة ، وأنه لم يعد بالإمكان تأجيل حله .

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت