الحمد لله الذي جعل قصص الأولين عبرة للآخرين و موعظة للجاهلين..
كان في قديم الزمان و سالف العصر و الأوان بعد أن توفى المعتصم بالله إلى رحمة الله ، ثم تلاه الواثق فتوفى بدوره ، ثم تولى بعده المقتدر بالله ..
ثم إن المقتدر بالله كان له وزير يسمى محمد العلقمي، و كان له ولد يدعى ابراهيم يهوى الحمام، و كان للمقتدر بالله ابن أيضا يهوى تربية الحمام و يحبه حبا شديدا ..
و في يوم من الأيام تلاعبا على الشرط من غلب يأخذ حمام الأخر ..
فغلب حمام ابن الوزير حمام ابن المقتدر بالله و طالب بحقه في الحمام فرفض ابن المقتدر بالله ذلك ثم تشاجرا ووقع بينهما الشر ، و قال ابن المقتدر في نفسه :
ـ لا بد أن أسير إلى أبي و أخبره بالخبر ..كيف أني ابن السلطان و يأخذ حمامي ..
و سار عند أبيه السلطان و أخبره بما كان من أمر الحمام ..
ثم ان المقتدر بالله بعث غلمانه و أمرهم أن يذبحوا حمام الاثنين ، ثم إن الغلمان تجاروا على الحمام و ذبحوا حمام الوزير جميعه ، و أما حمام بن السلطان فقد ذبحوا بعضه وتركوا بعضه لما رأوا بكائه و لوعته ، ثم إن ابن الوزير بدوره ذهب عند أبيه ، و أخبره بالأمر فاغتاظ غيظا كبيرا و غضب غضبا شديدا ما عليه من مزيد..
و قال في نفسه :
ـ كيف أن السلطان يهين و لدي و يكرم ولده ، لا بد أن أقوم بشيء للانتقام ، و أحرض عليه الملوك و كل مملوك وصعلوك..
و أصبح يدبر في ذلك و يتحين الفرص للغدر به ، أما المقتدر بالله فلم يكن له علم بأي شيء و لا بما يدور في ذهن الوزير ابن العلقمي ..
و في الصباح جمع الديوان ، و جلس على كرسي مملكته وحوله أعيان دولته ، و كان محمد العلقمي يضمر له الشر كما ذكرنا و يريد له المهالك …فلما رآه الخليفة مكدرا عابس الوجه، قال له :
ـ لم أراك عابس الوجه متغيرا ، هل لأنني أمرت الغلمان بذبح جميع الحمام .
فقال العلقمي و هو يداري مشاعره :
ـ يا مولاي أمرك مطاع ، و لا نستطيع أن نخلف لك مقالا ..
فأمر له المقتدر بالله بخلعة نفيسة ، و طيب خاطره و باسطه بالكلام ، هذا و محمد العلقمي لا يزداد إلا غيظا و حنقا ، ففطن الخليفة إلى كون الوزير يضمر له الشر و الخيانة،وأنه يمكن أن يحرض عليه الملوك و أنه لم يعد يرعى الأمانة ..
و في الليل جمع أرباب دولته ، و آمر لمزيد من الحذر ، بأن تغلق الأبواب ، و أن يفتش كل داخل آو خارج من المدينة ..
هذا ما كان من أمر السلطان، أما ما كان من أمر العلقمي فانه صار يدبر الحيل و يتقن العمل ، إلى أن أعياه الأمر و لم يستطع أن يرسل رسالة إلى أحد الملوك بسبب الحراس الذين على أبواب المدينة ، و في بعض الليالي أرسل في طلب مملوك عنده اسمه جابر، و قال له :
ـ انني لي عندك حاجة ..
فقال له المملوك :
ـ السمع و الطاعة فأنا عبدك و خادمك الهمام ،و كل ما أمرتني أقوم به و لو دونه الموت الزؤام ..
فقال له محمد العلقمي :
ـ أريد أن أرسل معك رسالة إلى الملك منكتم ملك الأعجام ، و لك عندي خمسمائة دينار و خلعة فاخرة سنية ، و أنت بعد ذلك حر لوجه الله تعالى ..
ففرح الغلام بذلك غاية الفرح ، و قال للعلقمي :
ـ و لكن يا سيدي ، كيف أخرج من المدينة بالرسالة دون أن يكتشف أمري، و الحرس شديد على أبواب بغداد، و عددهم يوما عن يوم يزداد ..
قال له العلقمي :
ـ لا عليك فقد فكرت في الأمر، ووجدت طريقا للحفاظ على السر ..
ثم انه أخذ موسى و حلق بها شعر الغلام حتى لم يعد له أثر،وكتب بالإبر على رأسه كل الكلام ، و قال له :
ـ سر الآن بالخطاب و آتني عاجلا بالجواب ..و لكن انتظر حتى ينمو شعرك حتى لا يطلع أحد على سرك ..
تم إن المملوك انتظر مدة عشرة أيام حتى انكسى رأسه بالشعر و خفيت الكتابة بالتمام ..
حينها دعاه العلقمي، و قال له :
ـ سر إلى بلاد العجم عند الملك منكتم و بلغه الخطاب ..
ثم إن الحرس على أبواب المدينة ، امسكوا رسول الوزير ، و فتشوه فلم يجدوا عنده شيئا ، فتركوه يخرج من المدينة ، فسار الغلام يقطع البراري و الآكام حتى وصل إلى بلاد الأعجام ..و دخل على الملك منكتم فسلم عليه و قبل يديه فرحب به غاية الترحيب ، و سأله من يكون و من أي بلاد جاء …