آلاف المدارس بدون مراحيض في المغرب وتلميذاتها مهددات بالإنقطاع عن الدراسة:

آلاف المدارس بدون مراحيض في المغرب وتلميذاتها مهددات بالإنقطاع عن الدراسة:

- ‎فيآخر ساعة
2118
0

 

اعتماد سلام

يقال إن أعظم اختراع خلال المائتي سنة الأخيرة هو المرحاض، إلا أن هذا الاختراع لم يجد بعد طريقه إلى مجموعة من المؤسسات التعليمية التي يدرس بها الآلاف من الأطفال المغاربة والذين يجدون أنفسهم مجبرين على التبرز أو التبول في العراء وذلك في غياب “كابينات” دورات المياه والمراحيض عن مؤسساتهم التعليمية. الأمر الذي يحول مساحات كثيرة مجاورة لحواشي الأقسام والوحدات المدرسية إلى شبه مرحاض مفتوح في الهواء الطلق.
وحسب “اليونسيف” أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة، فإن حوالي ستة آلاف مؤسسة تعليمية حكومية في المغرب لا تتوفر على مرافق صحية أو مراحيض، ما يعرض التلاميذ إلى مخاطر صحية، ويساهم في انقطاعهم عن الدراسة خصوصا في صفوف الفتيات.

image image
غياب المراحيض ينفر التلميذات :
أشارت تقارير كثيرة لجمعيات تعمل في المجال التعليمي، وأيضا لمنظمات وطنية ودولية من بينها المجلس الأعلى للتعليم ومنظمة اليونيسف، إلى أن انعدام المراحيض في المدارس الحكومية المغربية، خصوصا في المناطق القروية يؤثر في نوعية التعليم، وأن سوء النظافة يؤثر في صحة التلاميذ ويتسبب في الهدر المدرسي في صفوف الفتيات بشكل خاص، لأنه من الصعب عليهن متابعة الدراسة في ظرف يلجأن فيه إلى العراء لقضاء حاجتهن.

وحسب مصطفى شهاب الدين الذي يعمل أستاذا بالمجال القروي منذ حوالي عقد، فإن المدرسة التي يدرس بها بنواحي مدينة سطات لم تكن تتوفر على مرافق صحية أو مراحيض عندما التحق بها منذ ثماني سنوات، قبل أن تقوم هذه السنة جمعية مدنية ناشطة بالمنطقة بإنشاء مراحيض بهذه الوحدة التعليمية، وحفر بئر من أجل تزويدها بالمياه. وهو ما انعكس بشكل إيجابي على عدد التلاميذ المسجلين بها هذه السنة، حيث ارتفع حسب تصريح شهاب الدين الذي يؤكد: “غياب المرافق الصحية عن هذه المؤسسة ساهم في انقطاع عدد من التلميذات عن الدراسة، خصوصا عندما تصلن مستوى الخامس والسادس ابتدائي” ويضيف: ”خلال السنة الماضية وحدها، انقطعت ثلاث تلميذات عن الدراسة، ووفق إفادة والديهم فإن غياب المراحيض بالمؤسسة كان عاملا حاسما في اتخاذ هذا القرار”.

image image
وإذا كان غياب المراحيض عن المؤسسات التعليمية يتسبب في انقطاع الفتيات عن الدراسة، فإنه يشكل عائقا للأساتذة بدورهم وفق محمد لطيف رئيس الجمعية الوطنية لمساعدة التلميذ في وضعية صعبة.
ويقول لطيف: ”غياب المراحيض عن عدد من المؤسسات التعليمية، مشكل مطروح ليس فقط أمام التلاميذ،بل يطرح أيضا بالنسبة للأساتذة” مضيفا أن ”التلميذات تتضررن منه بشكل أكبر لأنهن قد تتعرضن لاعتداء أو تحرش وهن بصدد قضاء حاجتهن في العراء”.

image image
من سطات إلى الرحامنة.. نفس المعاناة :
في إحدى الوحدات المدرسية التابعة لمجموعة مدارس “بلكرن” والتي تقع تحديدا في دوار “الخراربة” بإقليم الرحامنة، تدرس مريم ذات الثماني سنوات والتي سبق وحاول والدها ثنيها عن متابعة دراستها بسبب اضطرارها مرات كثيرة إلى قضاء حاجتها في العراء. وهو الأمر الذي أقدم عليه عدد من الآباء والأمهات بالمنطقة، خصوصا وأن هذه الوحدة المدرسية تقع في منطقة بعيدة عن جل المنازل الموزعة بشكل عشوائي في الدوار.
يقول والد مريم إنه وبعد انتظار طويل تم بناء مراحيض بالوحدة، لكنها لا تستعمل بسبب عدم توفرها على أبواب أو مياه، مضيفا أن ”المدرسة لا نصيب لها من المقولة المكتوبة على جدارها بحروف كبيرة وهي النظافة من الإيمان”.
غير بعيد عن دوار الخراربة يقع دوار أولاد غنام. مدرسته الابتدائية توجد في المركز، وهي عبارة عن ثلاثة أقسام متباعدة، تفصل فيما بينها ممرات ضيقة إذ تم بناؤها باستعمال القطع المركبة والتي حظيت في وقت سابق خلال هذه السنة بجدل كبير عندما أثيرت إمكانية تسببها في تسمم التلاميذ أو إصابتهم بأمراض خطيرة كالسرطان.

image image
لم تكن المدرسة تتوفر على صنابير مياه أومراحيض أو دورات مياه، كانت كلها عبارة عن ثلاث حجرات لا يحيط بها سور أو سياج ولا توجد بها حديقة، وكان التلاميذ عندما يضطرون إلى قضاء حاجتهم يلجؤون إلى باحة المدرسة أو الممرات الضيقة التي تفصل بين حجرة وأخرى. يجلسون القرفصاء ويقضون حاجتهم بأقصى سرعة ممكنة مخافة أن يطلع أحد المارة على تفاصيل أجسادهم المكشوفة، أو يستعينون بحفر صغيرة تحيط بها شجيرات الصبار، توجد على مقربة من الدور المجاورة لـ”المدرسة”. ينزلون إلى قعرها بحذر لقضاء حاجتهم وهم يفكرون بأنها المكان الأكثر سترا لهم من عيون العابرين .
وفي بعض الأحيان كانت الفتيات تتكتلن فيما بينهن صانعات حائطا بشريا، يخفي وراءه إحداهن ويحميها من نظرات الآخرين حتى تنتهي من قضاء حاجتها، ثم تتبادلن الدور.
وقد أدى ربط منازل الدوار بشبكة الماء الشروب إلى حدوث تطور كبير بمدرسة هذا الدوار، شمل المرافق الصحية أيضا وتم بناء مراحيض وتجهيزها بصنابير مياه بعد أن استفاد سكانه بعد عقود من الانتظار من إمدادات المياه البيتية. الأمر خلف ارتياحا كبيرا لدى ساكنة الدوار التي تعتبر كثيفة مقارنة بباقي الدواوير المجاورة، ولدى المعلمين أيضا. لكن إطلالة قصيرة على مراحيض هذه المدرسة، ستنبئك بأن ما بعد تشييدها لا يفرق كثيرا عما قبله، أقفال الأبواب مكسورة لعدم وجود سور حارس للمدرسة من الغرباء، والمياه لا تصل دائما إلى صنابيرها، ولا أحد ينظف ما يخلفه أطفال يقضون حاجتهم ولا يجدون مياها للغسل والتنظيف، قبل أن يعودوا إلى الدرس !

image

أكثر من ستة آلاف وحدة مدرسية بدون مرحاض:
في توضيحها لرقم 6000 مؤسسة التي لا تتوفر على مراحيض أو مرافق صحية، تؤكد وزارة التربية الوطنية أن هذا الموضوع يعتبر نقطة سوداء بامتياز. ويوضح نبيل العبودي مدير مشروع تأهيل المؤسسات التعليمية بالوزارة، أن رقم 6000 مؤسسة يهم الوحدات المدرسية سنة 2013. منوها إلى أن العدد تقلص حاليا ليصبح 5334 مؤسسة لا تتوفر على المرافق الصحية،وتوجد 99 في المئة منها أي 5284 وحدة بالعالم القروي،ولا يتعدى حجم كل منها 3 أو 4 حجرات يدرس بها 426 ألف تلميذ من بين سبعة ملايين تلميذ وتلميذة يدرسون في المؤسسات الابتدائية بالمغرب.
ويوافق نبيل العبودي، على أن توفير هذه المرافق الصحية بجميع المؤسسات التعليمية يعد من بين عوامل محاربة الهدر المدرسي خصوصا في وسط الفتيات، مؤكدا أن الوزارة وضعت برنامجا لتعميم المرافق الصحية على جميع المؤسسات في أفق سنة 2020 ومن الممكن تحقيق ذلك إذا تضافرت جهود جميع المتدخلين.

image
الاهتمام بالمراحيض.. مسألة ثقافية:
بالإضافة إلى الرقم الذي تم الكشف عنه بخصوص عدد الوحدات المدرسية التي لا تتوفر على مراحيض أصلا، فإن هناك مؤسسات تعليمية كثيرة تتوفر على هذه المرافق لكن مع وقف الخدمة. إذ أدى عدم صيانتها وتنظيفها والاهتمام بها إلى تدهور حالتها وتعطلها عن العمل وبالتالي عدم استعمالها.
ويرى محمد لطيف رئيس الجمعية الوطنية لمساعدة التلميذ في وضعية صعبة، أو المعروفة اختصارا باسم “هيثم” أن هذه المرافق الصحية تغيب في المؤسسات التعليمية بالقرى تحديدا،لكن في كثير من المدن توجد أيضا مؤسسات تعليمية لم يتم ربطها بقنوات الصرف الصحي إذ تم عند إنشائها اللجوء إلى إحداث حفر كبيرة تحت الأرض على الطريقة التقليدية، ولا تتم صيانتها بشكل دوري. مؤكدا أن هنالك مراحيض معطلة أو يجب إصلاحها لأن حالتها مزرية ولا تسمح للتلاميذ باستعمالها.
وعن دور جمعيات آباء وأولياء التلاميذ في عملية صيانة هذه المرافق، يقول محمد لطيف العضو أيضا بالمكتب التنفيذي للفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات التلاميذ، إن “مسؤولية الجمعيات ثابتة لكنها محدودة بالنظر إلى إمكانياتها المادية المتواضعة، لذلك فالمسؤولية مشتركة بين المدرسة والأسرة والتلاميذ أنفسهم، لأن المحافظة على المرافق الصحية هي ثقافة غير راسخة لدى التلاميذ للأسف”.
ويتشاطر هذا الرأي مع لطيف، نبيل العبودي مدير مشروع تأهيل المؤسسات التعليمية بالوزارة،حيث يرى أن من أسباب تحول المرافق الصحية بالمدارس إلى نقطة سوداء، هي الثقافة السائدة في صفوف التلاميذ. وبرأيه هم “يحرصون على الاعتناء بالمراحيض في منازلهم، في الوقت الذي لا يعتنى فيه بالمرافق الصحية في المدارس، ما يجعلها تصبح بعد بنائها في حالة مزرية لا تسمح باستخدامها” وهذا الأمر استدعى حسب العبودي، إنجاز دراسة أشرف عليها خبراء وأخصائيون بهدف معرفة كيفية تدبير هذا المرفق الصحي الأساسي، مضيفا: “من الملاحظ أن هناك اهتماما أكثر بنظافة المرافق الصحية في المؤسسات التعليمية التي يديرها العنصر النسوي”.

image image
جهود كبيرة لوزارة التربية ولكن.. !
على امتداد السنوات الماضية، أعلنت الوزارة الوصية على القطاع عن مجموعة من البرامج والاستراتيجيات، من أجل حل هذا المشكل وتوفير المرافق الصحية في مختلف المؤسسات التعليمية، إلا أن الواقع يؤكد أن الوزارة فشلت في هذا الأمر أوعلى الأقل لم تنجح فيه بشكل كامل أو كاف حتى الآن.
في سنة 2008 تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات بين الوزارة وفرقاء عموميين، بينهم وزارتاالماء والبيئة ووزارة الداخلية من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والحصيلة الأولية لهذا البرنامج هو توفير المرافق الصحية وتجهيزها في 824 وحدة مدرسية، تنضاف إليها تغطية مناطق عدة من بينها مدينة خريبكة ونواحيها بالمرافق الصحية المطلوبة بفضل شراكة مغربية إيطالية،وهي الشراكة التي ستعمل من أجل تعميم هذه المرافق على الوحدات المدرسية بمدينة سطات هي الأخرى.

image
ومن أجل الحفاظ على نظافة المراحيض المتوفرة في مختلف المؤسسات التعليمية وصيانتها، قامت الوزارة ولأول مرة بإدراج مسألة الصيانة الوقائية ضمن البرنامج الاستعجالي 2009 و2012. كما وفرت غلافا ماليا قيمته 50 ألف درهم لكل مؤسسة من أجل صيانة هذه المرافق علما أن عدد هذه المؤسسات يتجاوز العشرة آلاف مؤسسة عبر مدن المغرب وقراه.
وللإشارة فإن الأمم المتحدة أطلقت قبل عامين اليوم العالمي للحمامات والمراحيض والذي يصادف التاسع عشر من شهر نونبر من كل سنة، في خطوة الهدف منها إبراز أهمية النظافة خصوصا وأن الأرقام التي كشفت عنها تشير إلى معاناة حوالي مليارين ونصف من سكان العالم، من غياب مرافق النظافة الأساسية وفي مقدمتها المراحيض.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت