د محمد فخرالدين
أما ما كان من أمر الأمير ذياب بن غانم فقد قام من نومه وتقلد بسلاحه و ركب فرسه الخضرا ،و برز إلى الميدان وطلب من الفرسان النزال ،وحين رآه الزناتي تحركت في رأسه جرأة الرجال ، و هانت المنية عليه و ركب المحال،فبرز لذياب في الحال و جال في الميدان و صال ، وصاح حتى رددت صيحاته الأسوار و الجبال ، و صدم غريمه صدمة جبار لا يهاب مواجهة الأخطار، و هاش الزناتي و هاج كالجمل في وقت الزواج ، فتلقاه ذياب بالسيف المحتاج إلى شرب الدماء و قطع الأوداج ،و علا بينهما الغبار كالأمواج في البحر العجاج ،حتى سد منافس الأقطار، وغطى عنان السماء و حجب الأبصار و الفجاج، وبقيت الحرب بينهما على تلك الحال حتى الزوال فدقت طبول الانفصال..
و بقيت الحرب بينهما شهرين متتالين بدون انتصار احدهما،وغضب ذياب وزاد به الغضب من طول الانتظار ، وغافل الزناتي و طعنه فبقي مطروحا ، و قد أيقن بذهاب الروح إلى أن أدركه قومه وخلصوه ،و زادت طبول الحرب بالالتهاب ، و قطعت من الفرسان الزنود و الركاب ، وساقهم ذياب سوق الغنم أمام الذئاب، أما الزناتي فدخل المدينة و أغلق عليه الأبواب ..
تم خرج الزناتي في الأيام التالية لنزال ذياب ، فلم يظفر احدهما بجواب ، و ضعف الزناتي و حل به الارتباك ، فكتب كتابا يطلب فيه الصلح من بني هلال ، و ترك الحرب والقتال ..و أرسله في الحال إلى ذياب ، فلما قرأه على بني هلال مال أبو زيد و حسن بن سرحان إلى الصلح مع الزناتي، إلا أن الجازية لما علمت بالحال ،ثارت في وجهه و ذكرته بما قام به الزناتي من قتل فرسان بني هلال و تعليق رؤوسهم على الأسوار ..
ثم أنها نادت النسوان :
ـ يا نساء بني هلال، لم يعد لكم رجال ، دونكم الخيل اركبوها و نحن نحارب الزناتي و ناخذ ُثأرنا منه .
و التفتت إلى ذياب و قالت له:
ـ انزل عن الخضرا حتى أركبها و أقاتل الزناتي ..
و لما فرغت الجازية من كلامها ، تبادرت البنات إلى الخيل و أمسكت كل واحدة بزمام فرس ،و قالت لراكبها:
ـ انزل و أنا اركب موضعك و أأأاااقاتل خليفة..
أما الجازية فعادت على ذياب ،و قالت له :
ـ انزل و أنا اركب موضعك
فغضب الأمير ذياب من الجازية و من تلك الأقوال ، و قال لها:
ـ لا تقولي هذا الكلام وارجعي هؤلاء البنات إلى خدورهن دون جدال و أنا أتدبر الحال ..
و كتب للزناتي جوابا يقول فيه أن لا سلام ،و أن ليس أمامه إلا الحرب و القتال أو الاستسلام ..
فلما وصل الكتاب إلى الزناتي و فهم معانيه و الأقوال ،زاد قلقه و بان عجزه و تحير فيما يجب عليه عمله من الأفعال ، و زاد قلقه و ارتعب من فارس الفرسان ذياب ..
وعندا حل الصباح و أضاء بنوره على الروابي و البطاح نزل ذياب يفحص الخنادق التي وضعها الزناتي أمام الأبواب حتى لا يصل احد إليها في الليل أو في النهار، ثم صار يمرن الخضرا على القفز فوقها حتى تمرنت و صارت تحسن الوثب وتتقن الوقوف على الابواب ، ثم إنه قفز بها حول الخندق حتى لحق الحراس ، وطلب الزناتي للنزال..
أما الزناتي فحل به الرعب و السقام، و علم أن موته قريب و الحمام ،و كانت بنته سعدا تشجعه على حرب ذياب ، و تحاول أن تبعد عنه قلقه ..
و نزل الزناتي إلى الميدان فالتقاه ذياب ثابت الجنان بقلب كالصوان ، و هو يلعب بالسيف و السنان، و تسابقا في ضربتين أصابت ضربة الزناتي فرس ذياب الخضرا فقتلتها، ووقع ذياب معها أرضا، فأدركته بنو هلال بجواد ركبه في الحال و عاد للقتال و النزال حتى غابت الشمس و حل الزوال، و افترق الخصمان على ضرب طبول الانفصال ..
أما ذياب فقد حزن على الخضرا كثيرا لأنه كان يعزها ويعتمد عليها في الحروب و كم أنقذته من الكروب ، و آمر أن يغسلوها و يكفونها في أثواب الحرير و بنى على قبرها قبة عظيمة و ذبح على قبرها نوقا كثيرة وفرقها على الفقراء و المحتاجين ..
و ثاني يوم نهض ذياب ، و اعتد جيدا في عدة جلاده ، و ركب على ابن فرسه الخضرا، و كان مهرا طويل الباع ..
و برز به إلى الميدان و كأنه فرخ جان ،و طلب مبارزة الزناتي ، فبرز إليه و كان فرحا بقتل الفرس الخضرا وقد ظن انه ينال أربه من ذياب، و يقتله ،أما حسن بن سرحان و أبو زيد و جميع بني هلال فقد تحقق لديهم أن ذياب سيقتل الزناتي و يأخذ بثأر فرسه الخضرا منه …