وجهة نظر: محمد ساجد: الإعصار الهادئ

وجهة نظر: محمد ساجد: الإعصار الهادئ

- ‎فيرأي
211
6

ساجد (يمين الصورة) رفقة ادريس الراضي وأنور الزين

بقلم :عبد الله بلفقيه
تسنم محمد ساجد عرش الإتحاد الدستوري، وخلف محمد أبيض في أمانته العامة، بعدما أمضى فيها هذا الأخير أربعة عشر عاما، وصفت بالصامتة حينا، والمتقهقرة حينا آخر، لكن المتفق عليه أنها مرحلة حفظ الوجود والإستمرار في الحياة السياسية، ومهما بلغت حدة النقد من طرف الدستوريين، إلا أنهم لا يتوانون عن استظهار أفضال أمينهم العام السابق، واصفين صمته الكثير بحكمة أبقت الحزب ضمن القوى السياسية الكبرى والفاعلة في الساحة الوطنية، وحفظت تميزه كحزب جاد في معارضته ومتمسك بقدر كبير من الموضوعية في نقده، ومن الرزانة في مواقفه، بعيدا عن الشعبوية والعنترية السياسية التي آلت إليها أحزاب أخرى.
استمر الإتحاد الدستوري هادئا متزنا، رغم فقدانه للعديد من أطره القدامى، ومن جبابرة الإنتخابات في صفوفه، لكنه فجأة دبت حياة جديدة في شرايينه، وذلك من بوابة شبيبته التي عرفت حركية ونشاطا غير مسبوقين، ورغم أن بعضا من شبابه وصفوا “بالمتمردين” على الآباء وبالمفرطين في الحماسة، إلا أن صدق انتمائهم وغيرتهم لا يطاله الشك، ويبدو ذلك في خطاباتهم التي غزت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، في سعيهم لقيادة الحزب معتمدين على القوة الضاربة للشباب في صفوف الحزب، حيث باتوا هم الأغلبية، إذ قدرت نسبة الأعضاء الذين تقل أعمارهم عن أربعين عاما بحوالي ℅60. وقد تساءل العديد مت المتتبعين للشأن الحزبي بالمغرب عن سر هذا إقبال الشباب على حزب الحصان، رغم كونه في المعارضة منذ سنوات طويلة، معيبين عليه في الوقت نفسه ضعف الفئة العمرية بين الأربعين والخامسة والخمسين، مما يعني وجود هوة جيلية تمتد لعشرين عاما، كانت نتيجتها صداما طبيعيا، تجلت ملامحه في المؤتمر الخامس وفي المجلس الوطني الأخير الذي انتخب محمد ساجد أمينا عاما، وكانت حملة أنوار الزين مرشح الأمانة العامة بمشروع “التغيير الممكن” شكلا من أشكال التعبير عن تلك الهوة وذلك الصراع، لكنه صراع أعطى الحياة للحزب وولد حركة قوية في صفوفه، ونتج عنه قوة في الأمانة العامة تمثلت في محمد ساجد الذي يوصف بالإعصار السياسي الهادئ.
محمد ساجد يجمع بين الحنكة السياسية والجبروت الإنتخابي، وبالوداعة الأخلاقية واللطف الإنساني حد البراءة، إنه القوة الضاربة في عوالم السياسية الوطنية، لا يقول إلا ماينفع، ولا يفعل إلا ما يؤتي أكله، يزن كلامه بميزان الذهب، ويحسب خطواته بالميليمتر، ليس في ثوبه السياسي ثقوب يمكن أن تتسلل منها الشعبوية أو التسرع، لم يسمع منه يوما قول يمكن أن يحسب عليه، لسانه منزه عن العبث الكلامي واللغط في القول، ينظر مليا إلى الطريق يمنة ويسرة قبل اجتيازه.
إن محمد ساجد هو المعبر الأنسب عن شروط المرحلة السياسية المغربية، ففيه يتجسد الإعتدال اللازم والتناغم الواجب بين التقنوقراطية والسياسة، إنه الوسط المعتدل بتعبير أرسطو، لا إفراط ولا تفريط، لأن الذين أفرطوا في السياسة حولوها إلى حلبة لصراع الديكة، والذين فرطوا فيها جعلوا من تدبير الشأن العام مجرد مقاولة، وبين هذا وذاك تتردى الأوضاع وتتفاقم المشاكل، فكانت الحاجة ملحة للتوازن بين الإثنتين.
محمد ساجد رجل دولة من الطراز الرفيع، ممن صاروا يعدون على رؤوس الأصابع اليوم، وإن بحثنا له عن شبيه فهو ادريس جطو، ولكن ساجد يفوقه بالقوة الإنتخابية وبالتدبير المباشر للشأن العام المحلي، وهو ما خبره في دروب عمودية العاصمة الإقتصادية لسنوات طويلة، وما أدراكم ما تسيير الدار البيضاء!!!
سيبدأ ساجد دعوته الحزبية من الحوز في الأسبوع المقبل، وهنا سيعرج على بيت عمر الجزولي العمدة السابق لمراكش والقيادي الدستوري المستقل، لأن ساجد مصر على بقاء الجزولي في القيادة وفي الكتابة الجهوية، لأن هذا الأخير رأسمال رمزي وانتخابي كبير جدا لحزب الحصان، بل هو النصف الثاني لجوزة القيادة الدستورية، فبين الرجلين شبه كبير، ولن يكون ساجد إلا حيث الجزولي والعكس صحيح، والحاجة كانت ولا تزال ماسة لسليل الرجل الرابع من رجالات مراكش السبعة، وحتى إن تنحى الجزولي عن الإنتخابات، فإن تنحيه عن السياسة وعربة الحصان غير مقبول من القيادة والقواعد، وحتى من الأحزاب الأخرى، فهو ليس ملكا لنفسه حتى يتنحى متى شاء، إنه ملك لتاريخ سياسي بأكمله، تاريخ مراكشي خاص وتاريخ وطني عام. ومن مسئوليته أن يملأ الفراغ بنفسه قبل أن يعتزل.
يتساءل كثيرون عما إذا كان وصول محمد ساجد لقيادة الحصان مجرد شأن حزبي داخلي خاص؟ أم أنها استراتيجية تدخلت فيها أطراف أخرى من خلال إقناع ساجد بالترشح، لإعادة الجدية للساحة السياسية والحزبية التي تردت كثيرا؟ أم أنها استعدادات لتأسيس قطب ليبرالي حقيقي يضم مجموعة من الأحزاب المغربية، وسيكون ساجد هو الأنسب لرئاسة حكومة هذا القطب مستقبلا، والأسباب كثيرة، ويملك ساجد كل الشروط لذلك: شرط التجربة وشرط الإتزان وشرط الجدية وحتى الكاريزما اللازمة.
لا يملك أي حزب ليبرالي آخر وعاء للخطاب الليبرالي مثل الإتحاد الدستوري، رغم أن هذا الخطاب ظل جامدا لسنوات طويلة، ولم يتتطور بما يلزم، ولم ترق المجهودات المبذولة لأطره إلى المستوى المطلوب، ويعاب على حزب الحصان ابتعاده عن الفكر، نظرا لعدم احتضانه لأي منتدى فكري جاد ومنتج، وبقي يتغذى على سمفونية أحادية الجانب تتجه رأسا إلى الشق الإقتصادي، الذي صارت رؤيته أيضا متجاوزة بالتقادم. فهل سيهتم ساجد بهذا الجانب؟ وسيسعى إلى رفع مستوى الخطاب وتطويره من أجل مستقبل قريب لا مكان فيه لغير الليبرالية؟

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،