التعليم المغربي: impossible de le le faire sortir

التعليم المغربي: impossible de le le faire sortir

- ‎فيرأي
184
6

 

 

ابراهيم الفتاحي

يروى أن فلاحا قسم كومة حجر يريد نقلها بين جمله وحصانه وحماره، وكانت قسمة عادلة، حيث ألزم كل واحد منهما بنقل نصيبه من الحجارة، لم يتردد الجمل لحظة واحدة، فحمل نصيبه كاملا دفعة واحدة معتمدا على قوته، ومشى بتؤدة وروية حتى أدى واجبه، أما الحصان فقد اعتمد سرعته، وكان ينقل حجرا بحجر، وهو يعدو بسرعته الكبيرة جيئة وذهابا بين الوادي ومنزل الفلاح. وبينما كان الجمل ينزل نصيبه من حمولة الحجارة كاملا، دخل الحصان بآخر حجر، ليتعادلا في أداء واجبهما، هذا بقوته وذاك بسرعته. لكن الحمار مازل في الوادي يتفقد الحجارة بحثا عن أيها أخف وبأيها يبدأ، يحمل هذا ثم يلقي به ويحمل غيره دون أن يبرح مكانه، لم يعتمد القوة والصبر كما فعل الجمل، ولا السرعة والعدو مثل الحصان، ولم يبدأ في عمله بأي شكل من الأشكال.

ما أشبه هذه الحكاية بوضعية التعليم المغربي، ففي الوقت الذي انطلقت فيه الدول الأخرى في معالجة مشكلة التعليم والنظام التربوي لديها، كل حسب إمكانياته ومقترحات خبرائه، مازال التعليم المغربي في وادي المناهج والإصلاحات، يحمل هذا المنهج ثم يلقي به ويحمل منهجا غيره، بحثا عن أيهما أحسن وأيهما أخف، وحينما أقول أحسن فهو ليس الأحسن طبقا لدراسات وأبحاث ميدانية سوسيولوجية كانت أم تربوية، ولكنها الأحسن تبعا لهوى هذا المسئول أو ذاك، فتجد منظومتنا التعليمية تحمل مرة الأهداف ثم تلقي بها لتحمل الكفايات أو الإدماج، وفجأة تلقي بكل شيء وتترك الفراغ البيداغوجي متأملة في كومة المناهج المتراكمة، مناهج لم نسهم في إنتاج أي منها وإنما مستوردة من خردة ماما فرنسا، الأم الحنون التي أرضعت جل المسئولين المغاربة ممن تكلفوا بالإصلاح، وهو أشبه بحكاية “بيتنا الذي لم يتم”، أما نحن فلم نعد نفهم شيئا، وتصدعت آذاننا بمصطلحات مرتزقة المناهج التعليمية، لا نكاد نجد حلا يربط مصطلحا بيداغوجيا بواقعنا حتى يفرغوا على رؤوسنا سطلا آخر من مصطلحات “الخردة الفرنسية” ذات الترجمات الرديئة، فصارت منظومتنا التربوية مثل “الجوطية” ” واحد كيبيع المسامر و حداه واحد آخر كيقلي الحوت، ومن الجهة الأخرى واحد محيح بالريكلام ديال الحوايج: عشرة ديال الدراهم! ستي بيديك..هبش ونبش وقلب ولبس ولبس الوليدات!…و متناساوش راه مول مبيدات الحشرات حتى هو محيح، وخا الناس كتاكل الحوت المقلي كساهم بفتح الشهية ديالهم بذكر أنواع الهوام من سراق الزيت والفار والطوبة، البق والقملة أوداكشي…”
لكن مسيو المنيستر سي بلمختار qui ne parle pas arabe جاء بفتحه المبين وأعلن عن البكالوريا الفرنسية وجاء بمذكرة لحماية التلميذ من شغب الأساتذة وتسلطهم، والذي يعجبني في هذا الرجل هو بره بوالدته “الحاجة فرنسا”، وسعيه إلى إرجاع لسانها بقوة إلى المنظومة التربوية، “السيد عندو الحق، راه خاص المغاربة كلهم يتعلموا الفرنساوية مزيان باش هو يهضر على خاطرو” والأكثر من ذلك سييسر على المسئولين المغاربة التواصل مع اولاد الشعب “الحازقين” و بذلك يتفاهم السادة مع عمالهم “المانوفرية” وهم يصدرون أوامرهم من مكاتب الشركات والمؤسسات التي يستولون عليها منذ حين من الدهر. إنه أفضل مني أنا الذي عققت والدتي الأمازيغية وصرت أخاطب بلغة أخرى وأكتب بها، ولكن رغم ذلك فعقوقي مقبول “حينت خاصني ندير الخاطر لأمي العربية لي كبرت معاها” رغم أنني حين ولجت المدرسة في السابعة من عمري، لم أكن أعرف من الدارجة غير بضع كلمات لم تكن تسعفني في فهم المعلمة المراكشية، فكانت تهوي علي بعصاها دون أن أفك طلاسم السب والشتم المصاحب لعصاها، وفي الوقت ذاته كنت مطالبا بفهم التلاوة المكتوبة باللغة العربية الفصحى والكتابة بلغة القرآن، “وملي كانجي للدار وكنطلع القردة للواليدة الله يرحمها، كانت كتغيز ليا عظامي وهي تجود علي بالسبان و لكن بالشلحة، المهم كنت كنفهم الواليدة مزيان، وكنعرف علاش كتضرب فيا، أما المعلمة والله ما كنت كنعرف بزاف ديال المرات علاش كتضربني، وحتى اليوم مازال ما عرفتش علاش كليت العصا”. كنت ملزما أن أتعلم الدارجة والفصحى دفعة واحدة، أدرس بالثانية وأتلقى العقاب بالأولى، قبل أن تنضاف الفرنساوية إلى “عرام الحجر” الذي يجب علي حمله، فكنت كالجمل في الحكاية، لكنني تمكنت من حمل نصيبي وإن كنت قد أوقعت بعض الحجارة في الطريق، ولكن تغاضى الفلاح عن ذلك وأطعمني حفنة شعير من “الكرموم” الممزوج بالحصى، فبدأت أسناني تسقط تباعا.
حملت جمال المنظومات التعليمية والتربوية وخيولها في البلدان الأخرى حملها وانطلقت، كل حسب قدراته وإمكانياته، بينما حمار منظومتنا مازال في وادي المناهج والإصلاحات بحثا عن الأخف والزمن يضيع والأجيال تتهاوى تربويا وقيميا، ولا ريب أننا في اليوم قد وصلنا إلى “جيل الضباع” الذي حذر منه الأستاذ محمد كسوس منذ عقود وأنا من أوائلهم على ما يبدو، ولم يعد أمامنا من حل سوى القسوة على هذا الجيل إنقاذا له من “الضبعانية” وإنقاذا للأجيال اللاحقة من باب مسئولية الأجيال المتعاقبة على بعضها بعضا، بدل مذكرات “الدلع” التي تفتقت عنها عبقرية مسيو المنيستر، الذي لا يحتاج بنيه وحفدته لمدارسنا وأقسامنا التي يتبادل فيها التلاميذ الظرفاء قنينات الجعة والنبيذ، ويشعلون فيها “الجوانات” ويحتجزون أساتذتهم وهم يصورون فيديوهات السخرية ممن كاد أن يكون رسولا.

أقول لحضرات السادة الموسيوهات والسيدات المادامات من المسئولين والمسئولات في ردهات الوزارات والمؤسسات إن ما يسمى علوم التربية لا يصلح في معظمه، وليست لنا مؤسسات تخرج المتخصصين فيها، وأنها مجرد فذلكات لغوية تصنع شرخا عظيما بين النظري والواقعي، وإن كان شيء ما يجب تدريسه فهو فلسفة التربية وسوسيولوجيا التربية وسيكولوجيا التربية، وهي أفكار ونظريات تستند إلى معارف بشرية منظمة، لا ترتبط بشعب من الشعوب ولا بسياقات خاصة، لأنها تنظيرات ذات بعد كلي وشمولي تفيد رغم اختلاف السياقات والأوضاع من مجتمع لآخر؛ أما علوم التربية بالطريقة التي تدرس بها فالغث فيها أكثر من السمين، وكثير من مدرسيها لا علاقة لهم بها، دون أن ننسى أن الإعتماد على المفتشين دون المنظرين من أهل الفلسفة وعلمي الإجتماع والنفس، يكرس النزعة التقنوية للوثائق التربوية، وتبقى في حدود “تاسيكليست” وبمنطق “كور وعطي للعور”، وبذلك يستمر التردي و يبقى حمارنا في الوادي.

لكن رغم تراكم اللغات علي في طفولتي وازدحامها على باب عقلي الصغير، فقد علق بذهني شيء مهم من “الليفر” Le livre، وهي حكاية الكبش التي أجدها أيضا مناسبة لوضع التعليم في بلادنا، لأنه حتى هو “راسو قاسح وعيق بزاف وما بغاش يخرج من الأزمة” تقول الحكاية إن الكبش أبى الخروج رغم أن الأسرة كلها اتحدت من أجل إخراجه، وحتى يفهمها “موسيو المنيستر”. qui ne parle pas arabe فإني أوردها في أصلها الفرنسي كما يلي:
“Farid tire Mina, Mina tire Zineb, Zineb tire Moussa, Moussa tire grand père, grand père tire le mouton, ils tirent ils tirent, mais impossible de le faire sortir”.
قد يحتاج معاليه إلى من يترجم له ما كتبته، رغم أني متأكد أنه مشغول بما فيه الكفاية، ولن يجد متسعا لتلاوة ما أكتبه، “ما بقيتي ليه غير أنا!”، ولكن إن حدثت المعجزة وتم ذلك، فإني أتحفظ مسبقا عن أي ترجمة يقوم بها مترجمو حضرته، لأنهم “تكرفسوا” على الترجمة العلمية، ناهيك عن “التسرهيط” المغربي الصرف الذي لا يجد مقابلات له في أي لغة أخرى، ولا يستوعبه إلا أولاد البلاد الذين ليس في عروقهم غير “تامغريبيت”، أما الفرنكوفيين مثل سعادته فلا يطربون به ولا يتذوقونه بتاتا، وخاتمة القول هي الدعاء لله بأن يخرج le mouton لأن grand père المسكين قد تعب وهو شيخ قد بلغ من الكبر عتيا، دون أن ننسى الدعاء للحمار كي يقلع من الوادي ويلحق بصديقيه الجمل والحصان، و”تمشي هذه خبيرة التعليم من واد لواد…”.

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت