بعث الأستاذ عبد الرحمن بن عــمــرو ،نقيب المحامين سابقا، رسالة مفتوحة إلى رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب ونقباء هيئات المحامين بالمغرب، وصف فيه القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بمراكش القاضى بإلغاء انتخاب النقيب محمد صبار ، بالفاجعة الكبرى ، أصابت مرتكزين من مرتكزات تحقيق العدالة. ، هما : قرينة البراءة و قوة الشيء المقضى به .
نص الرسالة:
كما تعلمون ، فإن الأستاذ محمد صباري ، محام بهيئة مراكش ، تم انتخابه نقيبا ، من قبل زملائه بالهيئة ، بتاريخ 22 دجنبر 2014 ، و هي انتخابات اتسمت بالشفافية و النزاهة بدليل انه لم يطعن فيها بأي طعن من قبل أي محام بالهيئة …
إلا أن الطعن في انتخاب النقيب المعني جاء من النيابة العامة في شخص السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش، مرتكزا في طعنه على أن النقيب المنتخب سبقت متابعته ، سنة 2009، من قبل مجلس الهيئة ، بمخالفات تتعلق بـ ” عدم التقيد بمبادئ الاستقلال و التجرد و النزاهة و الكرامة و الشرف و ما تقتضيه الأخلاق الحميدة ، و عدم احترام مؤسسة النقيب و عدم احترام السادة أعضاء مجلس الهيئة ” و انه طبقا للمادة 86 من قانون المهنة ، فإنه ” لا ينتخب نقيبا إلا المحامي الذي تتوفر فيه عدة شروط من بينها : ” ألا يكون محكوما عليه أو متابعا في قضية تمس الشرف أو المروءة ” .
إن الدفاع أثار ، في رده على مرتكزات النيابة العامة ، عدة دفوع شكلية و موضوعية في مقدمتها بأن المتابعة انتهت ، بعد ثبوث عدم صحة ما نسب للأستاذ صباري من مخالفات ، إلى اتخاذ المجلس قرارا ضمنيا بعدم مؤاخذته أي ببراءته و هو القرار المؤرخ في 14 يوليوز 2009 و الذي تم استئنافه من قبل النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بمراكش التي ، بعد أن استمعت لجميع الأطراف و الاطلاع على جميع الحجج تبث لديها ، بدورها ، عدم ثبوث ما نسب إلى الأستاذ محمد صباري من مخالفات فأيدت قرار البراءة الصادر عن مجلس هيئة المحامين بمراكش ( قرار محكمة الاستئناف بمراكش رقم 1732 بتاريخ 14/10/2009 ) و هو القرار الذي لم يطعن فيه بالنقض فأصبح بذلك متمتعا ، ليس فقط بـ ” قوة الشيء المقضى به ” و إنما بصفة القرار “القطعي ” الذي لا يمكن مراجعته ، سواء عن طريق الطعن العادي أو غير العادي .
و رغم كل ذلك ، فإن محكمة الاستئناف بمراكش قضت بتاريخ 21 ربيع الثاني 1436 الموافق لـ 11 يبراير 2015 و تحت رقم 535 / 2015 بما يلي :
في الشكل : بقبول الطعن و في الموضوع : بإلغاء انتخاب الأستاذ محمد صباري كنقيب لهيئة المحامين بمراكش ، مرتكزة في قرارها ، على سبق متابعة النقيب المنتخب ، سنة 2009 ، بمخالفات تمنعه من الترشيح لمنصب النقيب طبقا للمادة 86 من قانون المهنة .
أيها السادة ، الرئيس و النقباء ،
لا أريد في هذه المراسلة المفتوحة و المركزة ، أن أستعرض جميع الدفوع الشكلية و الموضوعية ، الصائبة ، التي واجه بها دفاع النقيب المنتخب محمد صباري ، طعن النيابة العامة و التي لم تأخذ بها المحكمة ، و إنما سأكتفي بدفعين لم يستجب لهما رغم أن موضوعهما يعتبران من مرتكزات تحقيق العدالة و هما مرتكز مبدإ ” قرينة البراءة ” و مرتكز مبدإ” قوة الشيء المقضى به ” .
فبالنسبة لخرق مبدأ قرينة البراءة : فالمحكمة ارتكزت في قرارها على سبق متابعة النقيب المنتخب ، سنة 2009 ، بمخالفات معينة مع أن هذه المتابعة لم يعد لها وجود قانوني بسبب تبرئة المتابع من جميع المخالفات موضوع المتابعة الأمر الذي يعني أن القرار الاستئنافي خرق مبدأ قرينة البراءة .
و من المعلوم أن مبدأ ” قرينة البراءة ” أصبح مبدأ منصوصا عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ( المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادة 14/2 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ) ، و في الدساتير ( 119 من الدستور المغربي ) ، و في القوانين الوطنية ( المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية المغربي ) .
و بالنسبة لخرق مبدأ ” قوة الشيء المقضى به :” فإن محكمة الاستئناف اعتمدت في قرارها على سبق متابعة النقيب المنتخب ، مع أن هذه المتابعة تم محوها قانونيا بمقتضى قرار قضائي استئنافي حائز لقوة الشيء المقضى به .
و من المعلوم ، أن مبدأ ” قوة الشيء المقضى به ” ، أصبح ، على المستوى القانوني و الفقهي و القضائي ، مبدا كونيا ، و انه يعتبر ، في مجال الاثباث قرينة قانونية لا يجوز إثباث عكسها ( المادتان 451 و 453 من قانون العقود و الالتزامات المغربي ) .
و السؤال الجوهري المطروح هو :
هل قرار محكمة استئناف مراكش الماس بمبدأ ” قرينة البراءة ” و بمبدأ ” قوة الشيء المقضى ناتج عن جهل أم عن تدخل خارجي ؟ .
بالنسبة للفرضية الأولى : فإننا نستبعد ذلك كل الاستبعاد ، إذ من غير المتصور ، عقليا ، ان تكون هيئة مشكلة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف و أربعة مستشارين بها ، جاهلة للمبدأين المذكورين ، و إلا ، إذا كان العكس ، فإننا سنكون أمام كارثة أخرى لحقت القرار الاستئنافي موضوع هذه المراسلة المفتوحة …
و بالنسبة للفرضية الثانية ( التدخل الخارجي ) :
فإننا إذا كنا نستبعد ذلك ، من الناحية القانونية ، فإننا لا نستبعد ( التدخل الخارجي ) من الناحية الواقعية :
نستبعده من الناحية القانونية :
لأن الدستور الحالي ” يعاقب كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة ” و ” يوجب على القاضي ، كلما اعتبر أن استقلاله مهددا أن يحيل الأمر على المجلس الأعلى للسلطة القضائية ” و ” يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال و التجرد ، خطا مهنيا جسيما ، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة ” ( الفصل 109 من الدستور ) .
و لأن القانون الجنائي يعاقب على التدخل في أعمال السلطة القضائية ( الفصل 238 ق ج ) .
و لكن ، من الناحية الواقعية ، لا نستبعد التدخل الخارجي ، ضدا على مبدأ سيادة القانون ، و كون هذا الأخير ( القانون ) ، حسب المادة 6 من الدستور ، ” هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة … ، و الجميع ، بمن فيهم السلطات العمومية ، ملزمون بالامتثال له ” . فهذا المبدأ لا زال يخرق طولا و عرضا ، ليس فقط من قبل العديد من أجهزة السلطة التنفيذية ، و إنما أيضا من طرف الكثير من الأحكام القضائية …
ما العمل ؟ :
سيطعن النقيب المنتخب محمد الصبار بالنقض في القرار الذي ألغى انتخابه ، ضدا على إرادة ناخبيه ، و هذا من حقه بل من واجبه .
و سننتظر ما ستقوله في الموضوع أعلى محكمة في درجات التقاضي ، و لكن ما ارتكبه القرار من أخطاء جسيمة تمس بمبادئ و ضمانات تحقيق العدالة لا يكفي ، من أجل معالجتها و المحاسبة ، عليها الطعن في القرار بالنقض ، و إنما يجب بالإضافة إلى ذلك :
أن تعبر جميع الهيئات و المؤسسات الوطنية الديمقراطية ، و على رأسها جمعية هيئات المحامين بالمغرب و الجمعيات الحقوقية و القضائية ،عن عدم رضائها و رفضها للقرار الاستئنافي المذكور .
العمل على أن يقوم المجلس الأعلى للقضاء ، في نطاق المهام المستندة إليه بمقتضى الفصل 113 من الدستور ، و التي من بينها السهر على استقلال القضاء ، يقوم بفتح تحقيق حول ما إذا كان هناك تدخل خارجي وراء القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 21 ربيع الثاني 1436 الموافق لـ 11 / 2 / 2015 و رقم 535 / 2015 مع ترتيب كافة النتائج القانونية على نتائج البحث …
و في انتظار ما ستتخذه الجمعية و هيئات المحامين في الموضوع .
تقبلوا السادة الرئيس و النقباء خالص الاحترام و التقدير .
النقيب عبد الرحمن بن عمرو
الرباط في 5 مارس 2015