الإراغة والتغليط في خطاب منع تراخيص متابعة الدراسة

الإراغة والتغليط في خطاب منع تراخيص متابعة الدراسة

- ‎فيرأي
416
6

 

 

imageهشام الدركاوي

أثارت قضية منع رجال ونساء التعليم من حق متابعة الدراسة ، التي خرج بها وزير التربية الوطنية في بداية الموسم الحالي ، ضجة كبيرة في صفوف الشغيلية التعليمية وفي صفوف الرأي العام كذلك ، لتنافيها مع الحقوق الدستورية الوضعية ومع ما يحث عليه ديننا الحنيف من وجوب طلب العلم من المهد إلى اللحذ دون أي استثناءات أو تفييء ودون الارتهان لعامل السن والحرفة والتمييز الطبقي .
وما يهمنا في هذا المقام ليس خطاب المنع في حد ذاته ؛ وإنما التبريرات والحجج التي احتج بها السيد الوزير ليصل بها إلى قلب السامع ؛ أقصد العامة ويعمل على استمالته وإقناعه وتثبيت الاعتقاد لديه بصحة خطاب المنع وجدواه في إطار بلاغة باتوسية مسطرة سلفا.
وهي كلها تبريرات وحجج مغالطة ومراوغة لا تلتزم بقواعد الخطاب واستراتيجياته ما دامت مفتقرة لأي مرجع موضوعي سواء أ كان دينيا أم قانونيا وحتى منطقيا . وتكمن مغالطة خطاب المنع في كونه جاء كرد فعل على تردي أوضاع مؤسسات التعليم العمومي محاولا إنقاذها من براثن التخلف وضمان حق المتعلمين كما تعتقد الوزارة الوصية ، حتى خيل للكثيرين أن تراجع مستوى التلاميذ مرده إلى حرص بعض رجال التعليم على متابعة دراستهم وأنهم المسؤولون عن كل هنات القطاع وعثراته . وهذه الاستراتيجية الخطابية المغالطة ذكية في عمقها لأنها تخاطب هوى العامة حتى يصيروا مؤيدين للقرار ومدافعين عنه . ورغم ذكائها فإنا حجة واهية يطلق عليها في عرف التداوليين بحجة “رجل القشة” ؛ نظرا لأن كل فئات الشعب واعية بالأسباب البنيوية لتراجع القطاع ؛سواء من حيث المناهج والبرامج أو من حيث سياسة البلاد العامة تجاه قطاع البحث العلمي والتكوين . ومن هنا تطرح علينا الأسئلة الاتية نفسها ؛ مؤداها : ما هي النسبة المئوية التي يتحمل فيها المدرس المسؤولية في فشل منظومة التربية والتكوين ؟ وهل فعلا يتحمل نسبة معينة؟ ؛ إذا ما علمنا أنه هو نفسه ضحية للقطاع وسياساته المتغيرة باستمرار . أم ان الوزارة الوصية كلما أثبتت عجزها في حل مشاكل القطاع رمت الكرة في ميدان الأستاذ حتى يصير محط احقاد الشعب معتمدة في ذلك استراتيجية ” طاحت الصمعة علقوا الحجام ” ، علما أن الحجام نفسه لا علم له ببناة الصومعة ولا بالخطاب الرائج فيها وما يحاك داخلها ، وهو نفسه ضحية لسقوط الصومعة ؛ إذ من الحجامة / المدرسين من قضى نحبه لحظة السقوط ومنهم من ينتظر بعاهات اجتماعبة ونفسية وجسدية خطيرة . ثم هل منع رجال ونساء التعليم من حق متابع الدراسة قمين بتعديل مسار منظومة التربية والتكوين وتجاوز كل مآزقها ؟ أم أنه سيزيد من تفاقم أوضاع القطاع ؟ ما دام التكوين المستمر هو الحل الوحيد لتجدد المعارف والرقي بمستوى المدرسين حتى يقدموا للمتعلم كل ما اكتسبوه من معرفة مستجدة ؛ اللهم إلا اذا كان للوزارة رأي أخر يقتضي من المدرسين النبش في ما تبقى من العقل وليس فيما تبقى من المعرفة التي تنقص يوما بعد يوم ،وليس عاما بعد عام، وتكريس سياسة التجهيل والتخلف.
وإلى جانب استراتيجية التغليط هذه ، يتضمن خطاب المنع استراتيجية ثانية وهي؛ استراتيجية الإراغة التي أعقبت خطاب المنع وما تلاه من ردود الأفعال وضجر الشغيلة وتبنيها كل الاشكال النضالية المتاحة قانونيا . وتتجلى هذه الاستراتيجية في الحل الذي جاد به السيد الوزير مشكورا على كل من أراد متابعة دراسته الجامعية ؛ والمتمثل في تقديم طلب الاستيداع الذي يخول له حق التفرغ للدراسة ، متناسيا الخصاص المهول في أطر القطاع الذي تعاني منه الوزارة سنويا ، وما سيترتب عليه من مشاكل ، ومن ثم سنسقط فيما أراد السيد الوزير تجاوزه؛ ألا وهو تضييع مصلحة التلاميذ ، لتدخل الوزارة في سباق ماراطوني للبحث عن من سيسد هذه الثغرة من هنا ومن هناك واعتماد الحلول الترقيعية ورفع شعارات التحدي . لكن، هل طلب التفرغ أمر متاح للجميع وسهل لدرجة الحصول عليه دون كلفة أو عناء متى شاء موظف القطاع كما جاء في خطاب السيد الوزير؟ وإذا كان التفرغ هو الحل الوحيد لاستكمال الدراسات الجامعية ؛ فالأحرى بشغيلة القطاع أن يحنوا لوضعهم السابق وحياة الطلبة والتفرغ للدراسة والتحصيل ورفض كل وظيفة أو شبه وظيفة ستعيقهم مستقبلا من أسمى حق يضمن للفرد إنسانيته وكينونته في ظل مجتمع متسارع الإيقاع ، يعاني أزمة القيم والتمثلات؟ هل يعلم السيد الوزير أن شغيلة القطاع تتخبط في مشاكل اجتماعية كثيرة وباتت ترتب في أدنى السلالم الاجتماعية ، وأن الأغلبية الساحقة هي المعيل الوحيد لأسرهم إن لم يكونوا عالة عليهم يتقاسمون معهم المسكن والمأكل لقلة ذات اليد ، إلى جانب التخبط في ديون قسمت ظهرهم وأثقلت كاهلهم وقتلت ذلك الإنسان بداخلهم والطموح الذي يسكنهم منذ الصغر ؛ فكيف لمثل من في هذا الوضع أن يحصل على التفرغ ؟ وإن تشبت بطموحه وتفرغ للدراسة فستزج به الأبناك في السجن فيصير لا من أصحاب العير ولا من أصحاب النفير ويعيش ازمة البين بين ، ويتحول من ثم إلى مجرم مدان .
ونحن على يقين تام أن كل المسؤولين يعلمون بهذه المشاكل ؛ بله هم أنفسهم من سطر فخاخها وشراكها للإيقاع بنا حتى ينعموا بالرفاه في مقابل شقائنا ونبقى دائما سخرية لهم بمعنييها ( التسخير والتهكم). لكن هيهات هيهات أن يكلفوا أنفسهم عناء إيجاد الحلول والبدائل المعقولة لأنهم منشغلون بتلميع وضعهم الاجتماعي والجري وراء تنمية مشاريعهم الشخصية . غير أن السيد الوزير أملت عليه وطنيته الزائدة وحرصه على أبناء الشعب حلا واحدا ووحيدا هو منع الشغيلة من حق متابعة الدراسة_ ( علما أن مصلحة أبناء الشعب هي أخر ما يفكر فيه المسؤولون ؛ فكيف يفكرون فيهم وقد ضيقوا على آبائهم سبل العيش الكريم ؟)_ دون أن يكلف نفسه ويفكر في بدائل أخرى من قبيل : عقد شراكات مع الكليات لضمان التكوين المستمر من جهة وضمان حق أبناء الشعب من جهة ثانية ؛ وذلك خارج أوقات العمل أو في نهاية الأسبوع.
وتنبغي الإشارة إلى أن خطاب المنع لا يتضمن فقط هذه النماذج التمثيلية التي اكتفينا بها لتفكيك استراتجيتي التغليط والإراغة ؛ وإنما يحبل بحجج كثيرة يقصر المقام عن حصرها ؛ مادام قصدنا التنبيه عليها فقط والتنبيه على فداحة الخطاب المتضمن لها وعدم منطقيته وعدم ارتكازه على مرجعيات واضحة . وهي حجج (و إن سلمنا بحجيتها) ستزيد الأمور فداحة وتأزما وسيعرف القطاع بسببها تراجعا وارتكاسا خطيرا سيهدد مصلحة أبناء الشعب التي أذهبت الرقاد عن عيون المسؤولين وحل محلها السهاد ، كما أنها ستعمق تلك الهوة العميقة سلفا بين شغيلة القطاع والوزارة الوصية عليه وتضرب قيم المواطنة في جوهرها ، ومن ثم سنتساءل عن مصير أجيال المستقبل ؟
وفي نهاية هذه الوقفة العجولة ؛لكن المعقولة ؛نتساءل : أكان السيد الوزير لحظة اتخاذه قرار المنع الشفوي ( دون أخذنا بعين الاعتبار منذ البداية بقلة حجية الخطاب الشفوي المعتمد على بلاغة الإيتوس وحضور ذات المتكلم وسياق الإلقاء ……) مدركا أن أغلب شغيلة القطاع لم يلجوا ردهات الوظيفة اختيارا لمزايا الوظيفة ومزاياها الآسرة ؛ وإنما اضطرارا وقسرا ؛ فمنهم من اضطرته سنوات البطالة العجاف إلى القبول بالذميمة الشوهاء بعدما كان يحلم بالجميلة الحسناء ، ومنهم من لم يجد معيلا يساعده على إتمام دراسته فقرر البحث عن منحة وظيفية هزيلة هزالة الفصيل ، تخول له نزرا ماديا يسيرا لتغطية تكاليف الدراسة والتحصيل ، ومن ثم يبحث عن ذاته في القطاع الذي كان يحلم به وفي المكان المناسب اللائق به ( وهذه هي الفئة الكثيرة ) . وهناك فئة ثالثة ضحت بنفسها بغية إنقاذ اسرها المنكوبة ،التي تجر تاريخ فقر سحيق وأزمة تتعمق يوما بعد يوم ، كل آمالها معلقة على ذلك الطفل الذي أشرت صيحة وضعه على التاريخ الطويل لأنات محنه ونزعه، ليجد نفسه قد صار عالة عليهم بعدما رأوا فيه المعيل . أ غاب عن السيد الوزير أنه كان من اللازم عليه بل وعلى الحكومة بأسرها إيجاد الأسباب الكامنة وراء ارتفاع نسب الانتحار في صفوف رجال التعليم ، وكذلك في الأمراض الكثيرة الناتجة عن ضغط العمل والتي تحتل فيها الامراض النفسية والعقلية نسبا مهولة يتغاضون عن الكشف عنها ودون إدراجها في خانة حوادث الشغل ؟
لماذا لم يكلف الساهرون على القطاع أنفسهم عناء البحث والتقصي في مسببات إقبال الكثيرين من شغيلة القطاع على التقاعد النسبي والمغادرة الطوعية ، والاستقالة بالمقارنة مع باقي القطاعات الأخرى ، رغم ما يتم الترويج له بكثرة العطل وما إلى ذلك من المغالطات التي سيأتي دورها للكشف عنها . لماذا في نظرك السيد الوزير ان موظف قطاع وزارتكم هو الموظف الوحيد الدائم التفكير في تغيير القطاع والبحث عن بدائل أخرى من ضمنها احيانا الهجرة غير القانونية ( الحريك) والمشاركة في قرعات الهجرة واجتياز باقي مباريات التوظيف ، وكذا إيثار الاعمال الحرة سواء منها ما يليق بمقامه أو ما لا يليق بمقامه وتكوينه ، بالرغم من إنفاقه سنوات طويلة من حياته في القطاع والأمثلة على ذلك تعد ولا تحصى .
وفي الوقت الذي انتظرت فيه شغيلة القطاع الحلول يأتي التجهيل بديلا وتصير حرقة طلب العلم والاستزادة من المعرفة جريمة وإدانة وفي الوقت الذي اعترف فيه جلالة الملك بجهود الشغيلة ، تضرب الوزارة في عهد هذه الحكومة تلك الجهود والتضحيات بعرض الحائط وتمزق صفحات كثيرة من مكتسباتها النضالية وحقوقها المشروعة ويتم الإجهاز عليها ، والتفكير في بدائل تعود بنا إلى سنوات الرصاص وسياسة القمع في تناقض تام مع شعارات الديمقراطية الجوفاء ومبادئ المشاركة العمياء . حتى تناست شغيلة القطاع أنها قاطرة التنمية وأنها كانت في السنوات الماضية الصوت القوي الذي لا يعلو فوقه صوت ؛ صوت يهابه الكثيرون ويحترمونه . حتى قيل إن المعلمين هم قادة الأمم وصناع أمجادها ؛ فعن أي أمجاد سنتحدث اليوم وغدا ونحن مطالبون بالجهل والتكليخ وعدم الاقتراب من سبل العلم والمعرفة وتكريس مثل شعبي تردده العامة مفاده ( الخاوي كيكب في المبكوك )؛ أي تفريغ المدرس من أي معرفة جادة ورصينة ومهددة في الأن نفسه وإحداث فجوات وثقب في عقول المتعلمين ، سيتكفل الفيسبوك وبدائل التجهيل الحديثة الاخرى بملئها ؛ لنحصل على مواطن دون هوية بلا ماض ، حاضره هش ومستقبله قاتم .
وختاما ؛ أ وليس خسارة عظمى ونكبة حبلى وعارا وشنارا أن يسمح لموظفي باقي القطاعات العمومية بمتابعة دراساتهم الجامعية ويمنع من هم أحق بها ( الشغيلة التعليمية) ؛ نظرا لصلتهم الوثيقة بالمعرفة وضرورة تحيين معارفهم باستمرار كي يقوموا بمهامهم على أحسن وجه، لأنها (متابعة الدراسة) هي العزاء لوحيد لشغيلة القطاع لتجاوز ضغط العمل ورتابته القاتلة والخروج من ربقة التكرار الفج ، والإحساس بالوجود وتحقيق الذات والعيش بتفاؤل وأمل والعمل على ترسيخه.

 

 

 

 

 

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت