العربية و الأمازيغية بين التفعيل و التعطيل

العربية و الأمازيغية بين التفعيل و التعطيل

- ‎فيرأي
1089
0

بديعة خدادبديعة خداد

  أجد نفسي عاجزة عن فهم ماهية الأهداف التي تحرك البعض في مجتمعنا لإذكاء جذوة التمييز و التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، هذا الوطن الذي استقبل أولى صرخاتنا و نحن نضاف إلى أفراده ذات يوم. أشعر بحزن حقيقي عندما أقرأ آراء مفكرين و مثقفين مغاربة نكن لهم كل التقدير،  يتربصون عبرها ببعضهم البعض على صفحات الجرائد و المواقع الإلكترونية، ليهدروا طاقات فكرية خلاقة في سجالات و مزايدات ترجعنا دائما إلى المربع الأول.

  تصدمني آراء و مواقف، عوض أن تحمل مشعل التعايش و تقبل الآخر، تحمل مشعل الضغينة الحارق للبصيرة و القلوب. آراء نشتم منها رائحة تزكم الروح و الوجدان، رائحة تشي برفض الآخر و كراهيته على أسس لغوية، هذا الآخر ليس سوى مواطن مثلنا، قد يكون أحد أقاربنا أو جيراننا أو أصدقاء الأمس الجميل. مواطن نتقاسم معه كل مقومات المواطنة، و قد نكون قد تقاسمنا معه في أيام صفاء الطوية، سكنا أو زادا أو حلما أو قضية. و لكن، في غمرة الاستسلام للتعصب ندوس على كل آصرة من أواصر القرابة أو الصداقة أو الجيرة.

   من منا لم يستشعر بوادر سموم مجهولة الهوية، تنفث في أجواء وطن تعايشت و تتعايش في رحابه أجيال منذ آلاف السنين، و امتزجت الدماء في عروقها النابضة. سموم تتغذى على نزعة التفرقة باستخدام طعم الهوية اللغوية، و تزداد شراسة كلما بدأت حدة النزعة تخف، و كأن هناك من لا يريدها أن تخف لحاجة في نفسه. فهل نعي خطورة الوضع؟

   منذ أيام احتفلنا باليوم العالمي للمرأة، و من العبث والتجني المجاني أن تستغل مناسبة كهذه، لينبري مفكر مغربي قدير لدعوة  المرأة المغربية  للدفاع عن اللغة الأمازيغية كجزء من حقوقها، عبر انضمامها إلى جبهة الحركة الأمازيغية.  ذاك هو السم في الدسم كما يقال أو خلط الأوراق. إن  المرأة المغربية يجب أن تدافع عبر عدة جبهات و ليس جبهة واحدة:  عن حقوقها، عن وطنيتها  وعن هويتها اللغوية الوطنية المزدوجة الأمازيغية و العربية؛  ولا تحتاج إلى دعوة ذكورية تنتقص من أهليتها، و تحدد لها ما يحب أن تدافع عنه.  فالمرأة التي بفطرتها و غريزتها الأمومية، حتى و إن لم تنجب، تجاهد للم شمل أبنائها وأقاربها مهما بلغت حدة صراعاتهم، يجب أن تستلهم من هذه الفطرة و هذه الغريزة،  ما يؤهلها للعب دور لم شمل أبناء الوطن الواحد، و المساهمة من موقعها  في وحدة الوطن و ليس في تصدعه و زرع بذرة الفرقة.

  لقد جاء دستور 2011 ليقر اللغة الأمازيغية لغة رسمية ألى جانب اللغة العربية.  فلماذا التعطيل عوض التفعيل عبر دعوات تعرقل هذا المسار، و لماذا خلط الأوراق و افتعال التناحر بين لغتين متلازمتين رغم أنف كل متطرف  لغوي؟.  لدينا ميزة في هذا الوطن الذي لا يخلو من مشاكل متراكمة مستعصية، هي انتفاء الطائفية بمختلف تلاوينها، و يظل جانب التدافع اللغوي الوطني أمرا يشكل ثراء لنا جميعا علينا الاستفادة منه، و ليس الركوب عليه لإشعال فتيل التناحر اللغوي الذي لن يكون في صالح أحد. لنكف عن احتقار بعضنا البعض، و النيل من قيمة لغتينا، و شحن النفوس والنفخ في جذوة الاستعداء على الآخر،  والضغط على المشاعر لدرجة الاحتقان؛ فنحن في حاجة إلى تفعيل لغتينا الوطنيتين و ليس تعطيلهما.

  لنتعلم الافتخار بهويتنا اللغوية الوطنية المزدوجة، فتلك حقيقة يجب أن ندركها جميعا،  والقائل بغير ذلك كمن يصارع طواحين الهواء، و أي رأي متعصب متصلب و متشنج لن ينجم عنه سوى رأي مضاد أكثر تعصبا و تصلبا و تشنجا. و لنتذكر جميعا، أن المصاهرة التي جمعت و ما زالت بين المغاربة أمازيغ و عرب، تحتم علينا ألا نسقط  من حساباتنا،  ونحن نتوثب لنشهر أقلامنا لخوض معركة كلامية، حقيقة مهمة: فثمة أبناء خالات و عمات و أخوال و أيضا إخوة و أخوات يتقاسمون العرقين في دمائهم. فهل تعمينا أنانيتنا عن تمثل هذه الحقيقة و الاعتراف بها؟.  لندرب نفوسنا و الأجيال الصاعدة على تقبل لغتينا الوطنيتين و احترامهما، وبعد ذلك فلنرحب  بأية لغة أجنبية تشكل إضافة لنا، سواء كانت الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية أو غيرها من اللغات، و لكن ليس على حساب تفعيل لغتينا.

كلمة أخيرة

  كم أشعر بالفخر و الألفة و الرفعة، عندما أجد نفسي وسط جماعة من المغارية يتواصلون  بلغتينا الوطنيتين، قد لا يفهم البعض ما يقوله متحاوران  بالأمازيغية،  وقد لا يفهم البعض الآخر ما يقال بالعربية، و لكن الإحساس بمغربيتي لا يضاهى لحظتها، و كم أشعر بالجفاء و الاستفزاز عندما يرتطم سمعي بمغاربة يتواصلون بالفرنسية، ليس رفضا لها،  فهي لغة لها مكانتها كلغة ثقافة و فكر نسعى إلى اكتسابها، و لكن إحساسا بتوقف الزمن، و كأنه يذكرنا بعقدة تكبل انعتاقنا من شرنقة  الاستعمار الذي رحل، و مع ذلك  ما زال كثيرون يصرون على الانحناء أمام لغته، و ترطيب ألسنتهم بها صباح مساء، مخافة جفاف  منابع الإبداع لديهم، و تتسلل الخرف و الجمود إلى خلاياهم العصبية.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت