لا نوافقك الرأي يا عمر !

لا نوافقك الرأي يا عمر !

- ‎فيرأي, في الواجهة
233
0

 

      لا يمكن أن يختلف اثنان من المغاربة عامة والمهتمين بالشأن السياسي خاصة، في أن نجم عمر بلافريج النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، سيظل ساطعا في سماء السياسة ولن تستطيع الأيدي الآثمة أن تطفئ بريقه أو “الغيوم” الكثيفة أن تحجب رؤيته. لأنه وبكل بساطة عرف إلى جانب رفيقه في التنظيم ومجلس النواب مصطفى الشناوي، كيف يتحديان الصعاب وينحتان اسميهما بإصرار داخل المؤسسة التشريعية أو عبر التواصل المستمر مع المواطنات والمواطنين من خلال اللقاءات المباشرة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي في الفضاء الأزرق.

      بيد أنه ولسبب ما أبى إلا أن يعلن منذ شهر أكتوبر 2020 عن رغبته في الانسحاب من الحياة السياسية، وعدم الانخراط من جديد في معركة الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في صيف عام 2021. إذ نزل الخبر كالصاعقة على رؤوس جمهوره الواسع وفي مقدمته فئة الشباب الطموح والمتوثب، من الذين كانوا يرون فيه القدوة الحسنة، لما ظل يتميز به من دماثة الأخلاق ونزاهة واستقامة، وحس وطني رفيع وروح المسؤولية، فضلا عن الأداء الجيد والنضال المتواصل. لاسيما أنه أثبت مصداقيته السياسية في كثير من المواقف النبيلة والتضحيات الجسيمة، لم يكن يخشى في الجهر بالحق لومة لائم وغير مبال بما يمكن أن تكلفه خطواته الجريئة من “عثرات” دامية، فقد جمع فيه من خصال النضال المستمر ما تفرق لدى الكثير من نساء ورجال السياسة في الوقت الراهن…

      فإصرار عمر بلافريج على مغادرة معترك السياسة أثار جدلا واسعا وردود فعل متباينة في أوساط السياسيين ولدى متابعيه، حيث هناك من رآه قرارا متسرعا وربما يكون ناتجا عن حالة انفعال عابرة. وهناك من رأى فيه استسلاما غير مقبول من رجل لا ينحني للعواصف كيفما كانت قوتها، وهناك البعض ممن ذهب إلى حد اتهامه بالخذلان وخيانة للشباب الذين آمنوا بالعمل السياسي. وهناك من اعتبره شأنا خاصا لا يهم أحدا آخر غيره. وهناك الكثيرون ممن دعوه إلى الاحتكام لصوت العقل والتراجع الفوري عن قراره، وعلى رأسهم محمد حفيظ رفيقه في درب النضال بنفس الحزب “الاشتراكي الموحد”، إذ نشر رسالة على صفحته الشخصية في “الفيسبوك” يؤكد له فيها على أن له الحق في التعبير الحر عن موقفه بمغادرة الحياة السياسية وقرارعدم الترشح لولاية تشريعية ثانية، وفي ذات الوقت ينبهه إلى أن الأمر لا يخصه وحده، بل يهم كذلك جميع الرفيقات والرفاق في الحزب الاشتراكي الموحد وفي فيدرالية اليسار الديمقراطي، كما يخص ويعني ناخباته وناخبيه والمغاربة أجمعين…” 

      ترى هل تمكنت دعوات واتصالات الرفيقات والرفاق ومتابعي عمر بلافريج من إقناعه بالعدول عن قرار الانسحاب من الحياة السياسية وعدم خوض معركة تشريعيات عام 2021؟ للأسف مازال الرجل متشبثا بموقفه وقراره إلى حين ظهور الشروط والظروف المناسبة، إذ خرج لتأكيد ذلك يوم الجمعة: 2 أبريل 2021 عبر شريط فيديو على صفحته الرسمية بموقع الفيسبوك، موضحا بأنه لم يكن يوما ما معارضا كما يعتقد الكثيرون وإنما كان ومازال إصلاحيا، وأن الممارسة السياسية أو مهمة البرلماني ليستا مهنة أو حرفة، بل هما معا عمل تطوعي ونوع من “التعاقد” مع الناخبين الذين يتوسمون فيه الخير للترافع عن أبرز قضاياهم وانشغالاتهم. وزاد قائلا بأنه حاول جهد الإمكان أن يكون مفيدا لوطنه طيلة فترة انتدابه التي لم تنته بعد، واختار اليوم طريقة أخرى مغايرة دون الإفصاع عن ملامحها لخدمة هذا الوطن.

      فمهما تعددت الآراء وتباينت ردود الفعل، ومهما أصر عمر بلافريج على التمسك بموقفه وعدم التراجع عن قراره، فإن الضرورة تقتضي أن تتكاثف جهود جميع السياسيين الشرفاء، للحيلولة دون اعتزال أحد أعمدة “السياسة النظيفة” من الذين يعول عليهم في رفع التحديات وكسب رهان التنمية، لاسيما أن البلاد أحوج ما تكون في مثل هذه الظروف الصعبة إلى كل الطاقات البشرية الواعدة، من أجل التصدي لكل مظاهر اليأس والإحباط وبث بذور الأمل في نفوس الشباب التواق إلى التغيير والإصلاح. فالشاب عمر ليس أي شخص آخر، اعتزاله أو عدم اعتزاله العمل السياسي سيان، بل هو رجل بحجم حزب سياسي كبير، يؤمن حد العمى بأن الديمقراطية لا تنزل من السماء، وإنما تحتاج إلى فاعلين ديمقراطيين ونزهاء قادرين على تهييء التربة الملائمة، لاستنباتها وحسن رعايتها بما يلزم من صبر وأناة ومن غير تأفف أو استسلام.

      إن بلافريج المتشبع بفكر رموز اليسار الكبار من قبيل الراحل الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد والمجاهد محمد بنسعيد آيت إيدر أمد الله في عمره، بإقدامه على مثل هذه الخطوة في اتجاه اعتزال العمل السياسي، وهو ما يزال في أوج العطاء المثمر كما تشهد بذلك مواقفه النبيلة وتدخلاته العميقة في مجلس النواب، يكون قد بعث برسالة سلبية إلى الأجيال القادمة، وأعطى فرصة للمفسدين وقوى الرجعية في المزيد من التمدد. ولن يزيد الجسد اليساري المثخن بالجراح إلا جرحا آخر أكثر غورا، في وقت كان ينتظر منه الكثيرون إكمال ما كان بدأ رسمه رفقة عدد من الرفاق والغيورين من ملامح لمغرب آخر حداثي وديمقراطي، وترجمة ما آمنوا به مشاريع واعدة على أرض الواقع.

اسماعيل الحلوتي

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت