محمد تكناوي .
لا زالت الى اليوم الاجيال التربوية لسنوات الستينيات والسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تتذكر بشغف وحسرة ونوستالجيا قصص الزمن الجميل “سعاد في المكتبة” و “زوزو يصطاد السمك” و”اكلة البطاطس” و”الله يرانا” و”احمد والعفريت” و ” الثرثار ومحب الاختصار” ….. التي تضمنتها سلسلة الكتب المدرسية “اقرأ” وسلسلة “الفصحى” .
ستظل هذه الاجيال التربوية تستعيد اسم المرحوم احمد بوكماخ الذي تتلمذت على نصوصه الباذخة، التي طبعت ذاكرة المغاربة وصارت تراثا مغربيا اصيلا؛
اجيال إقرأ تعبر عن فخرها بكونها خريجة مدرسة احمد بوكماخ وعن عرفانها بالاحتفاظ او اعادة اقتناء نماذج من كتبه المدرسية التي لازالت تطبع رغم توقف العمل بها منذ اواسط عقد الثمانينيات ، وكأنها اشارة الى اول واكثر كتاب مدرسي بالمغرب يعثر فيه التلاميذ والاطر التعليمية على انفسهم سواء من حيث طبيعة التأليف او الكتابة او اختيار النصوص او انجاز الرسوم والصور الملائمة او من حيث القيم والافكار التي تم تضمينها في هذه الكتب.
يحدثنا الاديب والمؤرخ الطنجاوي عبد الصمد العشاب في مؤلفه الشهير ” اعلام طنجة في العلم والادب والسياسة” ان معلم الاجيال المرحوم احمد بوكماخ الاب الروحي والبيولوجي لسلسلة “إقرأ” اتجه في بدايات سنوات الاستقلال نحو الاهتمام بالتأليف الخاص بالكتاب المدرسي مستثمرا رصيده التربوي والثقافي والجمالي ومعتمدا على حساسيته كمثقف وكرجل تربية مغربي استشعر هول الفراغ الحاصل في هذا المجال ولا شك انه ادرك معنى هيمنة الكتاب المدرسي المستورد من الشرق العربي ومن فرنسا واسبانيا ومدى الحاجة الماسة لدى التلاميذ المغاربة الى كتب مدرسية تشبههم ومن ثم كانت تجربته الرائدة فاخرج كتاب اقرا في خمسة اجزاء وكتاب الفصحى في خمسة اجزاء وكتب الرياضيات لتغطية حاجيات مستويات التعليم الابتدائي كما الف كتاب القراءة للجميع وهو كتاب خاص بمحاربة الامية عند كبار السن ولم يسعف الموت احمد بوكماخ لكي يكمل انجاز معجم لغوي للأطفال صرف فيه سنوات من العمل والمواظبة.
مربي الأجيال احمد بوكماخ الذي ولد سنة 1920 بمدينة طنجة وتوفي بها سنة 1993 بعد حياة حافلة بالعطاء والحضور تلقى تعليمه الاولي على يد بعض فقهاء طنجة، تم عكف على المطالعة وتكوين نفسه فبرز في حقل التربية والتعليم وانخرط معلما بالمدرسة الاسلامية الحرة التي اسسها العلامة عبد الله كنون سنة 1936. وكان المرحوم بوكماخ متعدد المواهب والامكانيات وهي صفة لازمته طوال حياته فقد عاش مع الكتاب واسس حين كان معلما بمدرسة عبد الله كنون مكتبة للأطفال ظل يستفيد منها التلاميذ في تكوينهم وتهذيبهم وبرز احمد بوكماخ في الاربعينيات من القرن العشرين كأحد الكتاب المسرحيين بشمال المغرب فكتب واخرج عددا من المسرحيات التي شخصها قدماء تلامذة المدرسة الحرة الاسلامية على خشبة مسرح سيرفانتيس نذكر منها مسرحيات “نور من السماء” و”فريدة بنت الحداد”.
“اكلة البطاطس” و”سروال علي” و”يوسف يمثل جنديا” نصوص من بين اخرى كتب لصاحبها المرحوم احمد بوكماخ ان يبقى حيا مواكبا لعدة اجيال ،هي نصوص مدهشة تهز أوثار القلوب اصغى اليها المغاربة لأنها انطلقت في حينها من الواقع المغربي والمخيال الشعبي.
مياه كثيرة مرت تحت جسر التاليف المدرسي الذي اضحت مسالكه ملتوية ومؤدى عنها بطرق يعلمها الجميع ومع ذلك تظل مؤلفات احمد بوكماخ مدرسية نموذجية عصية على النسيان، حتى وانت تعيد قراءتها تجد فيها متعة متجددة غريبة.
فمن سيعلق جرس فرفر ويعيد الاعتبار لهذه الهامة التربوية الباسقة، الا يستحق احمد بوكماخ ان تكون له مؤسسة علمية بحثية تحمل اسمه ..