صرخات مغاربة يستغيثون !

صرخات مغاربة يستغيثون !

- ‎فيرأي, في الواجهة
131
6

 

      نحن جد واثقين من أن الله لم يشأ لنا مثل هذا الحياة الشقية، التي بتنا نتخبط في أوحالها من خلال تصاعد معدلات الفقر والأمية والبطالة، والاكتواء بنيران الغلاء والظلم والفساد… لأنه سبحانه وتعالى رحيم بعباده في مشارق الأرض ومغاربها، وهو الحق والعدل، الذي حرم الظلم على نفسه ولا يرضاه لأحد، ولم يكن ليبعث الرسل وينزل الكتب ويسن الشرائع ويخلق أسباب القوة والسلطان، إلا بهدف تحقيق العدل وحفظ حقوق العباد وإرساء دعائم الأمن والسلام.

      لكننا نحن من نظلم أنفسنا ونعتدي على بعضنا البعض، لأننا نساهم ولو بغير قصد أحيانا في جزء كبير من معاناتنا وما آلت إليه أوضاعنا من تدهور. وذلك راجع بالأساس إما لعزوفنا عن العمل السياسي والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية أو لسوء اختيارنا أشخاصا دون مستوى تولي مسؤولية تدبير شؤوننا، من الذين لا يجيدون سوى صناعة وتوزيع الوهم مقابل تحقيق مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة. وبقدر ما خلف انتشار جائحة كورونا أضرارا جسيمة خلال هذه السنة المشؤومة، فإنه كشف كذلك عن حقائق صادمة، تمثلت في تعدد المشاكل والاختلالات على جميع المستويات، ومنها هشاشة المنظومة الصحية وجشع المؤسسات التعليمية والعيادات الصحية بالقطاع الخاص.

      وحديثنا اليوم لا يتعلق بنداء استغاثة صادر عن طلبة محاصرين خارج الحدود في البلدان التي يستكملون دراساتهم العليا بجامعاتها، ولا عن مواطنين عالقين بالخارج بعد إغلاق المطارات والموانئ خوفا من استفحال الحالة الوبائية، ويناشدون السلطات العمومية وملك البلاد بإيجاد حل عاجل لإرجاعهم إلى أرض الوطن، تفاديا لمضاعفة معاناتهم وتأزم أوضاعهم النفسية والصحية والاقتصادية. ولا عن أولئك الذين يقبعون داخل غرف “العلاج” ببعض المراكز الاستشفائية الخاصة بمرضى “كوفيد -19″، التي تحولت بفعل الإهمال إلى شبه “زنازين”، يفتقر معظمها إلى أبسط شروط الحياة الطبيعية من نظافة وغيرها، حيث يترك “النزلاء” لحالهم البئيس دون أدنى متابعة طبية، في ظل قلة الأطقم الطبية والأدوية، ناهيكم عن انتشار الصراصير والجرذان…

      وإنما أردنا فقط الحديث عن تلك الفئة من المرضى المنسيين داخل بيوتهم، رغم رفع الحجر الصحي الشامل، الذين تتبخر أناتهم وصرخات أهلهم في الهواء لعدم وجود آذان صاغية وسيارات إسعاف تقلهم إلى أقرب المستشفيات، التي أضحت ممتلئة عن آخرها أمام ضعف قدرتها الاستيعابية… 

      إذ في خضم تفشي جائحة كوفيد -19″ ببلادنا وارتفاع المنحنى الوبائي من جراء تزايد أعداد الإصابات المؤكدة والحالات الحرجة والوفيات، لفتت انتباهنا تلك الصرخة القوية التي أطلقها أحد البيضاويين صباح يوم الخميس 19 نونبر 2020، حيث أنه وبعد أن باءت جميع محاولاته بالفشل في إسعاف صهريه المسنين والمصابين بفيروس كورونا المستجد، لم يجد أمامه من وسيلة أخرى لإسماع صرخة استغاثته عدا اللوذ بإحدى المحطات الإذاعية… 

      فهل كان ضروريا ربط الاتصال بالمحطة الإذاعية (إم.إف.إم) للجهر بمعاناته في إنقاذ صهريه؟ ثم أين نحن من تلك الخدمة المجانية التي أطلقها مجموعة من الأطباء والصيادلة بمدينة الدار البيضاء تحت شعار “طبيبك فدارك”، لتقديم استشارات طبية للمواطنين وإسعاف المرضى داخل بيوتهم عند الحاجة إبان فترة الحجر الصحي الشامل، والتي جاءت في سياق التضامن الشعبي الكثيف واستجابة لنداء الوطن في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ المغرب المعاصر؟ أما كان لها أن تستمر إلى حين أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود ويظهر لقاح مضاد، يخلص الإنسانية جمعاء من شراسة الفيروس اللعين؟ هي تساؤلات كثيرة وحارقة تلك التي باتت تقض مضاجع المواطنين دون أن يجدوا لها أجوبة كافية وشافية…

      إن ما يحز في النفس ويستفز المشاعر هو أن المغرب الذي أصبح يحظى بمكانة متميزة في العالم العربي والقارة السمراء في التقنيات المتقدمة، وتحول في غضون سنوات قليلة إلى منصة صناعية إقليمية محورية في مجال تصنيع السيارات، كما استطاع احتلال مركز الريادة في تعزيز صناعة الطيران وتوسيع قاعدة الإنتاج، فضلا عن انتعاش قطاع الطاقة المتجددة الذي جعل من تطويره خيارا استراتيجيا، مازال للأسف الشديد غير قادر على توفير القدر الكافي من سيارات الإسعاف التي أصبح وجودها في بلادنا ضرورة ملحة. أليس من الخزي والعار ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن يستمر نقل المرضى والحالات الاستعجالية إلى المستشفيات، يعتمد أحيانا على وسائل نقل عادية في المدن وعلى الدواب والأكتاف في الأرياف والقرى النائية؟ 

      إن المنظومة الصحية كانت ومازالت تعاني من عديد المشاكل والأزمات حتى قبل تفشي وباء كورونا، الذي سلط الأضواء الكاشفة على مختلف الجوانب المعتمة، والمرتبطة أساسا بقلة الموارد البشرية وضعف البنية التحتية والتجهيزات اللوجستيكية. إذ لولا الرؤية الاستباقية للملك محمد السادس وإعطاء تعليماته للسلطات العمومية باتخاذ الإجراءات الوقائية الواجبة من فرض الحجر الصحي الشامل إلى إحداث صندوق مواجهة تداعيات كورونا الاجتماعية والاقتصادية والرفع من قدرات القطاع الصحي وتعزيز المستشفيات بأطر عسكرية، لكانت البلاد أمام كارثة كبرى.

      فعلى مدبري الشأن العام استخلاص العبرة من جائحة “كوفيد -19″، وأن يدركوا جيدا أن النهوض بالقطاع ورفع المعاناة عن المواطنين والعاملين، يمران عبر توفر الإرادة السياسية القوية ووضع استراتيجية حقيقية، تقوم على تدارك النقائص القائمة من خلال توفير الموارد البشرية الكافية والتجهيزات الضرورية، اعتماد مقاربة متجددة ومتكاملة بين القطاعين العام والخاص وتحسين شروط العمل والرفع من الميزانية المخصصة للقطاع وأجور العاملين به…

اسماعيل الحلوتي 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،